منذ اغتيال الكاتب الارمني الاصل هرانت دينك، كثرت التحذيرات في تركيا من التعرض للقوميين وللمتطرفين منهم. ويدور الكلام على "أصابع اجنبية" تقف وراء الحادث. فعلى سبيل المثال، زعمت مقالات صحافية أن اليونان وإسرائيل مهتمتان بالسيطرة على مدينة طرابزون، المطلة على البحر الاسود والقريبة من ايران. وعليه، تجند استخبارات هذين البلدين الشباب القومي هناك، وتوكل اليه القيام بعمليات اغتيال في تركيا. وهذه المقالات هي رد القوميين على الاتهامات الموجهة إليهم باغتيال دينك، خصوصاً بعد الكلام على تورط ولي كوتشوك، الجنرال المتقاعد، ومحسن يازجي اوغلو، زعيم حزب الوحدة الكبرى القومي، في الاغتيال. والحق أن العادة لم تجر على إلقاء مسؤولية ما يحدث في تركيا على اجهزة الاستخبارات الخارجية. وعلى رغم إشارة أدلة دامغة على تورط القوميين في الاغتيال، لا يربط أحد بين القتلة وبين الشخصيات القومية في تركيا. ولا يؤرق دعم سياسيين وكبار المسؤولين بعض المتطرفين القوميين، أحد. وفي الصحافة التركية من يقول أن تركيا ليست سرباً يغرد خارج السرب. ففي العالم ينمو التطرف القومي. وعليه، علينا تفادي اتهام الجماعات القومية في تركيا بالاغتيال. وهذا امر يدعو الى العجب. ولا ريب في ان دول العالم تعاني من مجموعات قومية متطرفة. ولكن الدول الاوروبية تعتبر وجود هذه الجماعات القومية أمراً معيباً. وهي تستهجن هذا التطرف، وتكافحه، وتسن القوانين لمحاربته وتشن حملات توعية. وتحول الدول الاوروبية، كذلك، دون وصول المتطرفين الى الحكم، على ما جرى في النمسا مع هايدر. وعلى خلاف الاوروبيين، يسعى الاتراك الى كسب ود المتطرفين المتشددين، ويشيدون بهم، ويعلنونهم أبطالاً قوميين. ولا شك في أن السعي الى مكافحة التطرف القومي في تركيا ضرورة لا مفر منها. فالاحزاب السياسية التركية، ووسائل الاعلام والصحف، تبنت مقالات قومية متطرفة، أو أهانت قوميات اخرى. وصارحت صحيفة ذائعة الصيت قراءها بأنها عدلت عن نشر افتتاحية عرقية متطرفة، على أثر اغتيال هرانت دينك. ولم اشهد في حياتي عقوبة تنزل عمن يحتقر، او يسيء الى العرب او الارمن او الاكراد او اليونان او اليهود. فنحن درجنا على الاساءة إليهم. وأمست إهانة الغير في مثابة فعل قومي بطولي. والى وقت قريب، وصف التلفزيون الرسمي الحكومي"تي ار تي"عبدالله اوجلان، زعيم"حزب العمال الكردستاني"، بأنه"من أبناء الارمن". واعتبر التلفزيون النسبة الى الارمن تحقيراً. وعلينا التخلص من الميول العرقية والتعصب القومي ومعاداة الآخر. وهذا شرط المحافظة على حياة هرانت دينك وأمثاله. عن عصمت بيركاند، "راديكال" التركية، 28/1/2007