أطلق الرئيس الأميركي جورج بوش محاولة أخيرة في خطاب حال الاتحاد أمس، لإقناع الكونغرس الديموقراطي بدعم استراتيجيته الجديدة في العراق لأن"ليس هناك ما هو أهم في تاريخنا أكثر من نجاح أميركا في الشرق الأوسط والعراق"، متهماً النظام الايراني بدعم"فرق الموت في العراق"ومحاولة"الهيمنة على الشرق الأوسط"من خلال"مجموعات شيعية متطرفة"، ومعيداً التأكيد على أن المجتمع الدولي"لن يسمح لنظام طهران بامتلاك سلاح نووي". وحذّر من المخاطر البعيدة المدى لأي فشل أميركي في العراق، قائلاً:"إذا تراجعت القوات الأميركية قبل ضمان أمن بغداد، فإن الحكومة العراقية سيسيطر عليها المتطرفون من جميع الاتجاهات. ومن الممكن أن نتوقع معركة ملحمية طويلة بين المتطرفين الشيعة مدعومين من إيران والمتطرفين السنة بدعم من القاعدة ومؤيدي النظام السابق. ومن الممكن أن تنتقل عدوى العنف لتمتد عبر حدود العراق وأن تجرّ المنطقة كلها إلى الصراع". وتوجه بوش الى أعضاء الكونغرس الديموقراطي الجديد، وهو ما لم يعتد عليه في السنوات الست الماضية في ظل الأكثرية الجمهورية الموالية، ساعياً في خطابه الى مد الجسور حول مسائل تتعلق بالشأن الداخلي الأميركي مثل الهجرة والتأمين الصحي والطاقة، والتي بدا فيها بحسب رأي الخبراء أكثر استعداداً لتقديم تنازلات منه في السياسة الخارجية. وأعاد بوش في خطابه السادس وما قبل الأخير عن حال الاتحاد، تأكيد ركائز سياسته في التعامل مع الملفات الاقليمية، مهاجماً سورية وإيران"لزرعهما النزاعات في المنطقة"ومحاولاتهما"إضعاف الحكومة اللبنانية المنتخبة والتقليل من شأنها"ودعم"حزب الله"الذي صنفه ثانياً بعد تنظيم"القاعدة"لجهة الضلوع في إيقاع ضحايا أميركيين. وتحدث بوش عن خطر المتطرفين الشيعة المدعومين من ايران و"المصرين على فرض هيمنتهم على الشرق الأوسط"، مقارباً بين التشدد السني المتمثل بتنظيم"القاعدة"والتطرف الشيعي كوجهين"للتهديد التوتاليتاري ذاته". وتابع الرئيس الأميركي:"اتضح في الأوقات القريبة أيضاً أننا نواجه خطراً متزايداً من المتطرفين الشيعة الذين لا يقلّون عداء لأميركا، وهم مصممون أيضاً على السيطرة على الشرق الأوسط. والمعروف أن كثيراً منهم يتلقى توجيهاته من النظام الإيراني الذي يموّل ويسلّح الإرهابيين من أمثال حزب الله الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد القاعدة لجهة إزهاق أرواح الأميركيين". وفي قاعة الكابيتول وأمام جمهور بدا عليه كثير من الريبة حول استراتيجية الرئيس الجديدة في العراق وزيادة عدد القوات الأميركية هناك، طلب بوش من الكونغرس تقديم الدعم لاستراتيجيته، مقراً بأن الحرب التي يخوضها الجيش الأميركي اليوم في العراق"ليست المعركة التي دخلنا فيها"، ومحذراً من أن"أكبر كارثة في تاريخ الولاياتالمتحدة تتمثل في هروبنا من المواجهة من العراق". وسأل بوش الذي تهاوت شعبيته الى 28 في المئة، الكونغرس الجديد بزعامة النائب الديموقراطية المعارضة لقرار الحرب نانسي بيلوسي بمنح استراتيجيته"فرصة للنجاح". وأكد الرئيس في حضور أركان إدارته، أنه يعمل مع دول المنطقة وتحديداً السعودية ومصر والأردن لدعم الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي. واقترح الرئيس الأميركي تشكيل"مجلس استشاري خاص بالحرب على الإرهاب يتألف من قادة في الكونغرس من الحزبين السياسيين"لتبادل"الأفكار حول كيفية وضع أميركا في مكان تواجه فيه كل تحد يجابهنا. وسنظهر لأعدائنا في الخارج أننا متحدون في هدف النصر". وطغت القضايا الداخلية على الشق الأول من خطاب بوش، إذ حاول فيها إيجاد قاعدة مشتركة مع الديموقراطيين للعمل على تمريرها في السنتين المتبقيتين من ولايته، ولتفادي تحوله"بطة عرجاء"في التاريخ الأميركي. ولاقت هذه القضايا ردات فعل مختلفة في قاعة الكونغرس، اذ فيما رحب الديموقراطيون بمبادرات بوش في شأن الهجرة والتقليل من الاعتماد على صادرات النفط، بدا الجمهوريون أقل حماسة لهذه المسائل وأكثر ترحيباً بمبادرات الضمان الصحي وتخفيض الضرائب. وكان واضحاً الاختلاف في نمط التصفيق في القاعة بين جهة اليمين حيث جلس الديموقراطيون واليسار حيث الجمهوريون. وخلافاً لخطابات سابقة ألقاها بوش في حال الاتحاد، والتي لوحت بتحولات مهمة في السياسة الخارجية الأميركية سواء في استعمال عبارة محور الشر 2002 أو التحضير للحرب على العراق 2003، جاء هذا الخطاب استكمالاً لسياسة البيت الأبيض، ولم يتضمن أي مفاجآت. وفي أول رد ديموقراطي على خطاب بوش، اعتبر السناتور المعارض للحرب جايمس ويب أن"هذه الحرب لم تكن ضرورية"، لافتاً الى أن"بوش أخذنا الى الحرب من دون اكتراث... وندفع ثمناً باهظاً اليوم". وقال ويب الذي كان وزيراً للبحرية أيام الرئيس رونالد ريغان إن"غالبية الأمة والجيش لا تؤيد الحرب". ودعا الى"تحول سريع نحو ديبلوماسية اقليمية قوية"، مشدداً على أن الديموقراطيين لا يؤيدون"انسحاباً سريعاً يفتح الباب أمام احتمال الفوضى". وعقدت لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس جلسة للتصويت على قرار غير ملزم ورمزي يرفض استراتيجية بوش الجديدة في العراق، ويؤيده نواب من الحزبين.