في مشهد مملوء بالتناقض، استعاد العالم رعبه من انفلونزا الطيور وفيروسها المميت، عبر الاعلان عن الوفيات البشرية الأولى للعام 2007 في الصين واندونيسيا ومصر، فيما يبشر أطباء بريطانيا العالم بأنهم قد يستطيعون استعمال فيروس الزكام العادي كسلاح لقتل... السرطان! فمن المعلوم أن الالتهاب الناجم من فيروس الزكام يخفض من مناعة الجسم. ويُفكر فريق من علماء بريطانيا باستعمال هذه الصفة لضرب الورم السرطاني، إذ يسعون لإيجاد وسيلة تمكنهم من إدخال فيروس الزكام مباشرة الى خلايا الورم السرطاني. ويفعل الفيروس فعله، فيخفض من مستوى المناعة في الورم، ما يجعله أكثر استجابة للعلاجين الكيماوي والاشعاعي. وفي خطوة تالية، يتكاثر الفيروس داخل الورم الخبيث بسرعة، فتمتلئ الخلايا المُصابة الى حد الانفجار. بعدها، يخرج الفيروس من تلك الخلايا المُدمّرة، ليُصيب خلايا سرطانية أُخرى ويتكاثر فيها وهكذا دواليك. وأمس، خصصت صحيفة"ذي غارديان"البريطانية صدر صفحتها الأولى لمقابلة مع ليونارد سايمور، الاختصاصي في علوم الجينات من جامعة أوكسفورد، الذي يقود فريقاً علمياً بريطانياً - أميركياً للعمل على العلاج الفيروسي للسرطان. وصرح سايمور بأن فريقه بصدد الانتقال بالعلاج الفيروسي للسرطان الى مرحلة التجارب على البشر خلال العام الجاري. وبيّن ان الأمر لا يتطلب سوى إدخال كميات صغيرة جداً من فيروس الرشح، أو ما يُشبهه، الى بضع خلايا سرطانية، ثم تركها لتضرب ضربتها الماحقة. وأعرب عن اعتقاده بأن هذا النوع من العلاج قد يتفوق على العقاقير الكيماوية أو موجات الاشعة في علاج الأورام الخبيثة، خصوصاً انه لا يحمل ضرراً على الخلايا السليمة. ووصف انخفاض المناعة الموضعية داخل الورم الخبيث، بأثر من فيروس الرشح، بأنه"كعب أخيل"السرطان. وأبدى تفاؤله بإمكان تحوّل العلاج بفيروس الرشح الى ركن ثالث في مكافحة السرطان، على قدم المساواة أو أكثر مع العلاج بالأدوية والأشعة! ولذا، شدّد سايمور على أن هذه الطريقة تمثّل تغييراً جذرياً في علم الأورام الخبيثة ومداواتها. ولا يمثّل استعمال الفيروسات في القضاء على السرطان فكرة علمية جديدة، ولا إدخالها مباشرة الى الخلايا الخبيثة. إذ تتداول هذه الفكرة منذ فترة في الأوساط العلمية عالمياً. وقبل الفريق البريطاني، توصل عالم أميركي إلى إدخال فيروس في خلايا سرطانية بهدف القضاء عليها. ويتمثّل جديد سايمور وفريقه بأنه"يُغلف"الفيروس بطريقة تجعله غير مؤذ للجسم، فلا يتحرر من غلافه إلا داخل خلايا السرطان. وبذا، تقي طريقة سايمور الجسم من الاصابة بالفيروس الذي يتفاعل موضعياً مع خلايا الورم الخبيث. وقد اختبر فريق سايمور نوعين من الفيروس: أحدهما يشبه فيروس الزكام، وينتمي الثاني الى الفئة التي تُسبّب الجدري. وفي العام الجاري، يعتزم الفريق تركيز جهوده على النوع الأول، باعتباره أكثر أماناً بالنسبة إلى البشر. هل تصدق التوقعات فتُخلّص سنة 2007 مرضى السرطان من كابوس الموت؟ الجواب في الأيام والأسابيع المقبلة.