اعتادت الأسواق المالية العربية على التفاعل المسبق مع النتائج السنوية للشركات المدرجة فيها. إذ كنا نلاحظ نشاطاً واضحاً في نهاية كل سنة ومع بداية السنة الجديدة، يتمثل بارتفاع حجم الطلب على أسهم الشركات، التي يتوقع أن تحقق نمواً ملحوظاً في أرباحها الصافية السنوية، الذي ينعكس بدوره على نسب أرباحها السنوية الموزعة على المساهمين، يقابلها عمليات بيع لأسهم الشركات التي يتوقع تراجع أرباحها السنوية. وكان للإشاعات التي يروجها بعض المضاربين عن أرباح بعض الشركات خلال هذه الفترة، دور ملحوظ في خلق طلب أو عرض مصطنعين على أسهم بعض الشركات، وبالتالي تراجع أسعارها السوقية. كما كان لحصول بعض المطلعين من أعضاء مجالس إدارات الشركات والمديرين التنفيذيين على معلومات عن أداء الشركات قبل غيرهم من المساهمين والمستثمرين، بحكم مواقع عملهم وتسريبهم هذه المعلومات قبل نشرها واستفادتهم منها شخصياً، دور واضح في تنشيط الطلب والعرض على أسهم بعض الشركات في بداية كل سنة. وبالتالي كنا نلاحظ تراجع أسعار أسهم شركات كثيرة بعد الإفصاح عن نتائجها، على اعتبار أن السوق تفاعلت مسبقاً مع هذه النتائج، وجرى تطبيق القاعدة التي تقول:"إشترِ بحسب الإشاعة وبع طبقاً للخبر". أما بالنسبة الى هذه السنة، ونتيجة تراجع الثقة في الاستثمار في أسواق المنطقة، بسبب موجات التصحيح المستمرة التي تعرضت لها الأسواق خلال السنة الماضية، وأدى إلى سيطرة حال من الحذر والخوف والترقب على القرارات الاستثمارية، سواء بالشراء أو البيع، فيلاحظ عدم اكتراث المتعاملين في الأسواق أو تجاهلهم لتوقعات أداء الشركات عن فترة السنة الماضية. إذ يتوقع الإفصاح عنها اعتباراً من بداية النصف الثاني من الشهر الجاري. لذا نلاحظ خلال هذه الفترة تراجع مؤشرات أداء الأسواق خلال تداولات هذه السنة، بعكس السنوات الماضية، حيث تشهد الأسواق نشاطاً ملحوظاً سواء في حجم التداول أو عدد الصفقات المنفذة أو حركة الأسعار وشريحة الاستثمار المؤسسي صناديق الاستثمار وبعض المحافظ الاستثمارية الكبيرة. وتعتبر هذه الجهة الأكثر احترافية خلال هذه الفترة في موضوع الشراء، سواء لجهة الاختيار أو التوقيت بعدما وفرت موجات التصحيح فرصاً استثمارية جيدة للمستثمرين على الأجلين المتوسط والطويل، وخفض أسعار أسهم معظم الشركات المدرجة في الأسواق إلى مستويات تعود إلى نهاية عام 2004. وأصبحت مضاعفات أسعارها، وهو المؤشر الأكثر شعبية في الحكم على جاذبية الأسعار وبات أكثر واقعية، خصوصاً أن المستثمر الذي يشتري أسهم أي شركة خلال هذه الفترة، يحصل على كل حقوق البائع ومنها الأرباح الموزعة على المساهمين، سواء الأرباح النقدية أو الأسهم المجانية. ويُعتبر استمرار سيطرة المضاربين على حركة الكثير من الأسواق المالية الخليجية والعربية، وضعف الاستثمار المؤسسي، من أسباب تجاهل الأسواق المالية توقعات أداء الشركات، على اعتبار أن قرارات معظم المضاربين لا تأخذ في الاعتبار مؤشرات أداء الشركات وربحيتها ونموها، نتيجة محدودية فترة احتفاظهم بالأسهم والتي لا تتجاوز في بعضها ساعات معدودة. وعادة يكون هدفهم تحقيق مكاسب رأسمالية سريعة من الفرق بين سعري الشراء والبيع. ويُعد إفصاح الشركات عن أرباحها وبياناتها المالية وتوزيعاتها السنوية، المحفز الوحيد الآن للمستثمرين لدخول الأسواق المالية، وبالتالي انتعاش هذه الأسواق. وتجاهل هذا الإفصاح يعني الانتظار أو البحث عن محفز آخر. ونخشى أن يكون المحفز الجديد موجة تصحيح أخرى لبعض الأسواق تساهم في جعل الأسعار أكثر جاذبية.