توزع المشهد السياسي في لبنان على خطين أمس، الأول بدء التحرك المتدرج تصعيداً للمعارضة بالشراكة مع الاتحاد العمالي العام وكانت ساحته امام احد مكاتب وزارة المال في منطقة المتحف، احتجاجاً على الورقة الاقتصادية للحكومة الى مؤتمر باريس-3 والثاني استدعاء رئيس الحكومة فؤاد السنيورة السفراء العرب والأجانب، ليس من اجل وضعهم في التحضيرات القائمة لعقد المؤتمر في العاصمة الفرنسية في 25 الجاري فحسب، وإنما لتحميلهم رسائل الى قادة دولهم حول أسباب عدم نجاح المبادرة العربية التي تولاها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، إضافة الى تحميل سورية مسؤولية مباشرة عن التصعيد الحاصل في البلد. ولم يحمل الاعتصام المشترك للمعارضة والاتحاد العمالي أي مفاجأة في حجم الحشد اذ ان الضخ البشري له بقي في حدود عادية، وشكلت قوى المعارضة عموده الفقري فيما اقتصر حضور الاتحاد العمالي على قيادته وعدد رمزي من مناصريه. وفي هذا السياق، أكد قيادي بارز في المعارضة انه لم يفاجأ بضعف الحشد وقال ان في مقدور قوى المعارضة استحضار الآلاف الى ساحة الاعتصام لكنها فضلت تقنين الحضور لئلا تضطر إزاء الحشد الكثيف الى قطع الطرقات المؤدية الى مكان الاعتصام وهذا من شأنه ان يشكل خرقاً للالتزام الذي قطعته على نفسها امام قيادة الجيش اللبناني بعدم جر منطقة المتحف الى الفوضى في حال سدت الطرق من حولها أو تمديد إقامة المعتصمين لأكثر من ساعات وما يترتب عليه من نصب خيم لتقيهم البرد. ولفت ايضاً الى ان قيادات المعارضة التي كانت اجتمعت في منزل رئيس تكتل"التغيير والإصلاح"النائب ميشال عون في الرابية أوصت بأن يبقى الاعتصام في حدوده الرمزية وأن يأتي من ضمن خطة تدريجية للتحرك لا بد من ان تتصاعد مع اقتراب موعد عقد"باريس-3". وأضاف القيادي ان بعض القيادات طرحت في الاجتماع اللجوء فوراً الى التصعيد وأن يكون دفعة واحدة بدلاً من اعتماد التحرك المرحلي المبرمج، باعتبار ان الأفق السياسي امام الوصول الى تسوية لا يزال مسدوداً وأن الحكومة المدعومة من الأكثرية لا تتراجع ولا تستجيب المطالب إلا تحت الضغط الشعبي، فيما رأى البعض الآخر ان من الأفضل اتباع خطة التصعيد التدريجي وصولاً الى الذروة قبل ايام من عقد"باريس-3". ويفهم من كلام القيادي أن للتريث في تصعيد التحرك اسباباً أبرزها ان هناك رغبة لدى قوى معارضة أساسية في الإبقاء على الباب مفتوحاً امام احتمال معاودة التحرك العربي مع توقع مجيء موسى مجدداً الى بيروت اضافة الى ان تصعيد الاعتصام يعني تلقائياً ان"حزب الله"يشكل رافعته الأساسية، وبالتالي فإن المواجهة مستمرة بينه وبين الحكومة وقوى 14 آذار وأن الصورة القائمة في الوسط التجاري ستكون هي ذاتها في الاعتصامات المتنقلة. إلا ان اوساطاً متابعة تعترف بأن الطابع العام للاعتصام المركزي في الوسط التجاري لبيروت اصبح يراوح مكانه، لكنها ترى ان آثاره السلبية لن تنعكس على المعارضة وحدها وإنما على الحكومة التي ترفض الاستجابة لمطالب المعارضة، مشيرة الى ان لدى المعارضة فرصة لتزخيم تحركها ما ان تتيقن من ان ابواب التسوية أوصدت كلياً، وعندها ستسقط كل المحاذير، وسيكون لديها الوقت الكافي للذهاب بعيداً في تطوير تحركها خصوصاً أن عندها الكثير من الخيارات السياسية. ونفى القيادي المعارض ان تكون المعارضة حسمت في اجتماعها الأخير موقفها من الدعوة الى الإضراب المفتوح، وقال ان هذه المسألة نوقشت من باب تقويم الوضع واستعراض الخطوات للبدء باعتصام واسع وضاغط هذه المرة. إلا ان عدم مشاركة الحزب الشيوعي اللبناني في الاعتصام تركت تساؤلاً في أوساط المعارضة في معرض إبداء مفاجأتها بعدم تلبيته الدعوة، فيما قالت مصادر مقربة من الحزب ل"الحياة"انه وإن كان يتعاطى مع الحكومة على انها فاقدة الشرعية، فهو ينظر الى المعارضة وكأنها فاقدة المشروع السياسي، خصوصاً ان الاعتراضات على"باريس -3"لا تبرر موافقة معظم الوزراء المستقيلين على المشاريع الواردة فيها. كما اشارت هذه الأوساط الى ان بعض القوى الفاعلة في المعارضة منصرفة الآن الى تقويم الوضع لا سيما انها تعرف بأن الاستعانة بالاتحاد العمالي تأكيد عدم طائفية التحرك أو مذهبيته قد لا تلبي رغباتها على هذا الصعيد وإن كانت تسهم في التخفيف من حدة الاحتقان. اما على صعيد تحرك السنيورة الذي بدأه امس، فعلمت"الحياة"من مصادر وزارية انه طلب من السفراء الذين التقاهم أمس ان ينقلوا الى قياداتهم مخاوفه الجدية إزاء التصعيد السياسي المتواصل في لبنان والتحريض المباشر وغير المباشر الذي يقوم به النظام السوري في هذا الشأن. وأوضح السنيورة للسفراء أبعاد الحملة السياسية المنظمة التي بدأت تستهدف"باريس-3"خصوصاً ان البرنامج الذي أعدته الحكومة يحمل بصمات عدد من الوزراء المستقيلين الذين كانوا أبدوا قبل استقالتهم تأييدهم المشاريع الواردة في البرنامج والتي تخص الوزارات التي كانت تحت سلطتهم. وأكد السنيورة، كما تقول المصادر، ان الأكثرية لم تتفرد في طرح المشاريع وإنما جاءت نتيجة مناقشات حصلت في داخل مجلس الوزراء أو بينه وبين الوزراء المختصين، مشيراً الى ان الحملات التي تتعرض لها الحكومة على خلفية برنامجها الإصلاحي والاقتصادي تكمن في رغبة البعض في إطلاق الأحكام على النيات ما يناقض موافقتهم السابقة على المشاريع. ونفى السنيورة امام السفراء ان تكون هناك شروط دولية أو عربية على لبنان تتجاوز الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي هي ضرورية للبلد كشرط للتغلب على مشكلاته الاقتصادية والمالية والسيطرة على خدمة الدين العام وأعبائه على خزينة الدولة. ورأى ان الهجوم المنظم على"باريس -3"هدفه ضرب البلد وإفقاده أي قدرة، بمساعدة الأصدقاء والأشقاء، على ايجاد حلول لمشكلاته الاقتصادية والمالية التي لن تكون مستحيلة في حال توافرت النيات الطيبة. كما شرح السنيورة للسفراء ما آلت إليه مبادرة موسى، إضافة الى الزيارة الأخيرة لرئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان لبيروت، وقال ان الأكثرية قدمت تنازلات مهمة لمصلحة التوصل الى تسوية مرضية للبلد وللجميع في آن. وأضاف ان الحكومة حرصت من خلال ما قدمته على إقناع قوى اساسية بإخلاء الشارع لمصلحة تسويق التسوية وترجمتها الى خطوات عملية وأنها بادرت الى اعطاء"حزب الله"وحركة"امل"وپ"التيار الوطني الحر"ما يبرر لهم العودة الى الحوار. لكن المشكلة لم تكن ابداً في بيروت انما في دمشق عند النظام السوري. وذكّر السنيورة بأن بعض الأطراف اللبنانيين، وتحديداً قيادتي حركة"امل"وپ"حزب الله"كانوا تحدثوا عن ملاحظات لديهم على انشاء المحكمة الدولية لكنهم لم يبلغوا اياً منها لا للرئيس أردوغان ولا لموسى، بينما أودعهما الرئيس السوري بشار الأسد ملاحظاته على المحكمة؟ ولفت الى ان موسى تقدم بمبادرة مشرفة للجميع، وللمعارضة قبل الأكثرية، لكن رفضها، جاء من الرئيس الأسد بسبب اعتراضه على المحكمة الدولية ومن أطراف حليفة لسورية اعتقاداً منها بأن لا مكان لها في التسوية وتحديداً لجهة احتمال تمثيلها في حكومة الوحدة الوطنية.