شل بضع مئات من الرجال ممن كان جلهم في منتصف العمر وبينهم فتيان وفتيات من معاهد تعليمية تقع في ضاحية بيروت الجنوبية، ومجموعات طالبية من كليتي الحقوق في الجامعة اللبنانية - الفرع الأول ومن جامعة القديس يوسف، ونسوة محجبات وأخريات سافرات لففن أعناقهن بأوشحة "التيار الوطني الحر" وتيار "المردة" وشبان لبسوا الأسود كلون موحد يميز انتماءهم عن الآخرين، اكثر مداخل بيروت حيوية ولساعات عدة تلبية لدعوة وجهها الاتحاد العمالي العام ودعمته احزاب المعارضة رفضاً للورقة الاصلاحية التي اعدتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الى مؤتمر باريس-3. وكانت مكبرات الصوت على السيارات الجوالة واصلت طوال الليل وصباح امس، دعوة سكان الضاحية الجنوبية باسم"حزب الله"للمشاركة في اعتصام الاتحاد العمالي وحددت أماكن للتجمع والنقل المجاني، مع التأكيد ان الدعوة عامة، لذلك كان القادمون سيراً الى تقاطع المديرية العامة للأمن العام - قصر العدل من الضاحية الجنوبية، اكثر من أولئك الذين قصدوا المكان من ناحية الاشرفية او من منطقة النهر، على ان الأطواق الامنية التي اتخذت حول مبنى يضم إدارة ضريبة القيمة المضافة في وزارة المالية، والذي كان هدف المعتصمين، وسد المنافذ المتقابلة التي تؤدي الى فرن الشباك والأشرفية وهي كانت في زمن"حرب الإلغاء"خطوط تماس بين"القوات اللبنانية"وپ"العونيين"، اسهم في تحديد مداخل للمشاركين تخضع لرقابة عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي الذين كانوا أعطوا تعليمات لحماية المتظاهرين وفي الوقت نفسه حماية الممتلكات العامة والخاصة. سبق باعة الكعك والقهوة والمرطبات والرايات والبالونات الملونة بألوان أحزاب المعارضة، المعتصمين الى الساحة التي ما خلت يوماً من زحمة السيارات في كل الاتجاهات، خصوصاً ان على ضفافها يقع قصر العدل ومديرية الأمن العام ونقابتا المحامين والصيادلة والمتحف الوطني ووزارة الصحة وعدد من المصارف والمدارس والجامعات. وشكل شبان بدوا انهم اقرب الى الانتماء الحزبي من النقابي، طوقاً مقابلاً لطوق القوى الامنية لحصر المعتصمين ضمنه، وثبتت تحت جسر العدلية الذي حول جزؤه السفلي الى سجن للأجانب الذين يدخلون خلسة الى لبنان، رافعة تابعة لإحدى شركات نقل الأثاث استخدمت منصة لخطباء الاعتصام. وكان لافتاً ان المرافقين لنقابيين قصدوا المكان فاق عددهم مرافقي شخصيات سياسية وبينها النواب مروان فارس القومي ونبيل نقولا وشامل موزايا وعباس هاشم التيار الحر والنائب السابق عمار الموسوي حزب الله، لكن تجمع هؤلاء ضمن حلقة أمامية لم يوح بضخامة المشاركة النقابية وحين تليت أسماء المتكلمين على المنصة تراوحت رتبهم بين نائب نقيب وأمين سر لنقابات قل التداول في بعضها ما دفع بإحدى الصحافيات الى الاستفسار من رئيس الاتحاد العمالي العام ما اذا كانت هذه النقابات من تلك التي تُتهم بأنها وهمية، ما اثار حفيظته لدقائق قليلة، لكنه حافظ على ابتسامة كانت تتسع كلما هتف المعتصمون ضد حكومة الرئيس السنيورة وطالبوا بإسقاطه. عناصر الانضباط الحزبي غير المعلن طلبوا من المعتصمين التخلي عن راياتهم الحزبية والاكتفاء بالعلم اللبناني وراية الاتحاد العمالي، ووزعت على المعتصمين لافتات من الكرتون واخرى من القماش حملت شعارات منها:"يا فقراء لبنان اتحدوا في مواجهة سلطة التجويع"،"السنيورة مسؤول عن إفقار لبنان"، وپ"عمال لبنان غير مستعدين للتضحية إلا مع حكومة نظيفة"، وثمة شعارات لنقابة مستخدمي وعمال المياه في البقاع كتب على إحداها"نطالب الحكومة بتفعيل دور جمعية حماية المستهلك رأفة بالفقراء وأطفالهم"، وأخرى"لا لحكومة فرض الضرائب التي تمهد لبيع القطاعات الإنتاجية بأرخص الأثمان وزيادة البطالة المقصودة"، ورفعت شعارات لم تحمل أي توقيع وبينها واحدة برتقالية اللون"كما ناضلنا ضد أمرك سيدو سنناضل ضد أمرك سعدو". لم تفسح مكبرات الصوت الكثيرة التي وزعت في كل الاتجاهات ورددت أغاني حماسية، المجال كثيراً امام المعتصمين لاستخدام حناجرهم، وبقيت أصوات الخطباء وحدها المدوية في المكان لأكثر من ثلاث ساعات، إذ الهدف من الاعتصام كما قال غصن لپ"الحياة"ليست"الخطب بحد ذاتها وانما الإبقاء على الاعتصام لاكثر وقت ممكن"، لذلك فضل غصن ان يكون آخر طالبي الكلام بعد تسعة متكلمين تباروا على اتهام الحكومة بپ"تفقير الشعب وحماية المافيات والاستبداد بالعيش الكريم للشعب وحكومة الضرائب والخصخصة وتكديس الأموال وحكومة املاءات البنك الدولي". وحرص غصن في كلمته على التوجه الى رئيس الحكومة وفريقه بالقول:"ان اعتصام اليوم ليس محسوباً على احد او يستمد قوته من احد، انه يعبر عن وجع الناس جميعهم، العامل والمزارع والطالب والأب والام والأطفال بعدما تورمت أكتافهم من أعباء الضرائب". ورأى غصن ان الاعتصام"لبى نبض الشارع". وانتقد بشدة الضرائب في الورقة الإصلاحية"لتصل الى نسبة 16 في المئة من الأجور المحددة والتي لم تصحح منذ اكثر من عشر سنوات"، كما انتقد"الخصخصة ومضاعفة تعرفة الكهرباء فيما الناس في العتمة". كما انتقد"الموافقة السياسية على الصرف الجماعي من دون الاهتمام بصندوق البطالة"، واشار الى ان قانون الايجارات"يخطط لتهجير جديد". وقال:"ان اعتصام اليوم يعلن ان الساكت عن الحق شيطان اخرس والحق الذي نطالب به يفرض على رئيس الحكومة وفريقه سحب الورقة المعادية للناس واعادة النظر بسياسته المالية والضريبية، لأنها معادية لمصالحهم والاعتراف بأن ملء الخزينة لا يتم من جيوب الشعب". واضاف:"ان الحكومة تتخلى طوعاً عن حماية شعبها، واذا كانت لهم الكلمة في مؤتمراتهم ومؤامراتهم فليفهموا ان لنا فيها الكلمة الفصل، اما ان يتراجعوا او نواصل التقدم واعتصام اليوم ليس نهاية الطريق، هذا اليوم سيشبه اياماً اخرى ربما متشابهة او مختلفة، ونحن متأكدون من ان جرس الانذار الذي قرعناه باسم جميع الكادحين والموجوعين والصابرين لن نفلته من أيدينا ان لم يسمع صوتنا وان لم تلب مطالبنا". واعلن عن اعتصام مماثل ينفذ اليوم امام وزارة الطاقة - كورنيش النهر وزيرها محمد فنيش المستقيل في التوقيت نفسه أي الحادية عشرة صباحاً. وفيما اكتفى غصن بهذه الدعوة تولى عريف آخر من على المنصة دعوة المعتصمين الى التقدم في اتجاه مبنى وزارة المالية التي تضاعف الطوق الامني حولها وتقدم المعتصمين غصن ونقابيون معه ووقفوا قبالة الحاجز الحديد فيما هتف المعتصمون"أي ويللا السنيورة طلاع برا"، فرفع غصن ومن حوله أياديهم المتشابكة في الهواء ورددت الجموع في الخلف"ابو هادي"السيد حسن نصر الله وپ"جنرال"وپ"احمد فتفت صهيوني"، وراح العريف نفسه يوجه التحية الى"الشهيد احمد حمود"الذي سقط في محلة قصقص في بداية تحرك المعارضة، كما حيا العريف"كل من يعارض ضريبة القيمة المضافة وحض المعتصمين على التقدم في اتجاه المبنى الذي وصف من فيه بپ"السارقين"، داعياً"اخوتنا في القوى الامنية الى السماح لنا بذلك من دون التعرض الى الموظفين"، إلا ان الطوق الامني لم يسمح لأحد بالتقدم، وربما كانت دعوة ذلك العريف لبث الحماسة فقط في الحشد الذي تحول الى أحاديث جانبية ورمى بشعارات الاتحاد العمالي عند أعتاب شجرة وسارع آخرون الى اللحاق بالپ"فان"الذي سيعيدهم الى مكان إقامتهم.