طويت مساء أمس صفحة الحصار الجوي الذي فرضته اسرائيل على لبنان منذ 12 تموز يوليو الماضي، بينما أبقت حصارها البحري لموانئ لبنان، الى ان تنتشر القوات الدولية قبالة ساحله، كما حرصت بذلك ميري ايسن الناطقة باسم رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت والتي كانت اشارت الى ان الدولة العبرية تحتفظ ب"حقها"في مهاجمة قوافل قد تنقل امدادات ل"حزب الله"على الحدود اللبنانية - السورية. راجع ص 2 و3 ولم تُفاجأ مصادر رسمية لبنانية بتأخر رفع الحصار البحري، استناداً الى ما تم التفاهم عليه بين رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس وقادة دول الاتحاد الأوروبي. وقالت المصادر ل"الحياة"إن القرار الاسرائيلي بهذا الصدد لن يدوم طويلاً، وقد يستمر لساعات ريثما يكتمل انتشار السفن الحربية الاوروبية التي اخذت على عاتقها توفير المساعدات التقنية والتجهيزات لسلاح البحرية اللبنانية، لتفتيش حمولات البواخر المتوجهة الى الموانئ اللبنانية، من اجل التأكد من عدم وجود سلاح بداخلها لغير القوات المسلحة اللبنانية. وأكدت المصادر ان ابقاء الحصار البحري لفترة قصيرة،"يأتي في سياق سياسة الابتزاز التي تتبعها اسرائيل، وهي تعرف ان سفناً حربية اوروبية باتت تتمركز قبالة الشاطئ اللبناني، وأن وحدات من البحرية الألمانية ستنضم اليها قريباً، وبالتالي تريد اسرائيل تسجيل موقف لتدعي لاحقاً ان الضغط باستمرار الحصار كان وراء فرض رقابة دولية - لبنانية على البواخر المتجهة الى موانئ لبنان". وكان هذا الموضوع مدار بحث بين السنيورة ووزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي كان التقى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، اضافة الى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي اجتمع ظهراً مع الرؤساء الثلاثة في مستهل جولته على عدد من دول المنطقة، ليتوجه لاحقاً الى دمشق للقاء كبار المسؤولين السوريين. وتوقع السنيورة رفع الحصار البحري صباح اليوم، بعدما اشارت مصادر مطلعة الى اتصالات اجراها مع الأممالمتحدة والدول المشاركة في القوة البحرية. وفي دمشق علمت"الحياة"ان حرس الحدود السوري يحرك قوات باتجاه الحدود مع لبنان، تنفيذاً لوعد قدمه الرئيس السوري بشار الاسد الى الأمين العام للأمم المتحدة، لضبط الحدود وتسهيل تنفيذ القرار 1701. وتزامن رفع الحصار البحري مع قرار بري إنهاء الاعتصام النيابي الذي بدأه النواب في البرلمان السبت الماضي، احتجاجاً على الحصار، في أعقاب جلسة مسائية استمرت دقائق، لترفع فور تحليق طائرة تابعة لشركة"طيران الشرق الأوسط"في أجواء بيروت، فوق مقر البرلمان والسرايا الكبيرة، حيث استقبلها السنيورة وضيفه الألماني بالتلويح باليدين بعدما انتقلا من قاعة الاجتماعات الى احدى شرفات مقر رئاسة الحكومة. وكان بري تحدث امام النواب فور دخول الطائرة الاجواء اللبنانية، معلناً نهاية"الفصل المؤلم وليس الأخير"من فصول الحرب الاسرائيلية على لبنان، ومضيفاً ان فصل الحصار على لبنان"ينتهي الآن واستخدمته اسرائيل لتقصف به القرار الدولي 1701". وتابع:"حققنا هدفنا في إسقاط الحصار وإسقاط الهدف المترتب عليه في ابتزاز بلدنا وإخضاعه لشروط الأمن الاسرائيلي، والاحتفاظ بالمناخ العسكري العدواني من اجل امكان اعادة انتاج الحرب، وتحويلها الى مكمن عسكري شرق اوسطي جديد". ووعد اللبنانيين بأن الحكومة مدعومة من البرلمان"ستعيد بناء ما تهدم وإنما أجمل وأبهى مما كان عليه"، داعياً الجميع الى"التوحد في إطار المقاومة لإزالة آثار الحرب وإعادة بناء ما تهدم، خصوصاً لجهة إعمار نفوسنا بمشاعر المحبة الوطنية للبنان، وهذه تعادل كل شيء في الدنيا". 14 آذار لكن الاحتفال الذي شهده لبنان ليل امس، لمناسبة رفع الحصار والذي تخلله اطلاق النار ابتهاجاً في عدد من المناطق، لم يمنع تمدد"الاشتباك السياسي"في العمق اللبناني، والذي كان من علاماته المميزة مبادرة قادة قوى 14 آذار في اجتماع عقدوه في فندق"بريستول"في بيروت، في حضور عدد من الرموز المنشقة عن"التيار الوطني الحر"بزعامة العماد ميشال عون، الى اطلاق برنامج سياسي متكامل للمرحلة المقبلة، جاء هذه المرة على تناغم في مضامينه مع"النداء السابع"الذي صدر اول من امس عن اجتماع مجلس المطارنة الموارنة. وإذ اعتبر مصدر بارز في قوى 14 آذار، ان البرنامج بمثابة خطوة اولى على طريقة إعادة الانتشار السياسي، ومبادرة القوى الى التموضع مجدداً، قال في المقابل انه يشكل ترجمة عملية ل"النداء السابع"الذي لم يذكر"حزب الله"بالاسم بخلاف ما بادرت اليه الأكثرية في البرلمان التي دعت في بيانها الى اعادة فتح معركة رئاسة الجمهورية، بعدما جمدت لفترة بسبب الاختلاف الذي انتهى اليه مؤتمر الحوار الوطني. وستحاول قوى 14 آذار الإفادة من مضمون"النداء السابع"، وهي تستعد لخوض معركة سياسية، تحديداً ضد"التيار الوطني الحر"بعدما اعلن رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط إثر مقابلته بري، رفضه دعوة السيد نصر الله وعون الى تشكيل حكومة وحدة وطنية، معتبراً ان الحكومة الحالية هي"أصدق تعبير عن هذه الوحدة". لكن"حزب الله"الذي لم يعلق على"النداء السابع"وان كان يشارك عون في معظم المواقف التي طرحها أخيراً، سيزن موقفه النهائي انطلاقاً من تحالفه مع بري، الداعم حالياً لبقاء هذه الحكومة، نظراً الى ان الحزب لا يريد التفرد بأي موقف يمكن ان ينعكس سلباً على الاستقرار السياسي الذي ينعم به الشارع الشيعي. وحده امس رئيس الجمهورية اميل لحود، رد على تجدد الدعوات الى استقالته، وآخرها اطلقها رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، وقال لحود:"رأيي معروف بالدكتور جعجع وأعلنته مراراً ولا حاجة لتكراره، الا انه في ظل الاجواء الراهنة ونظراً الى استمرار العدو في احتلال اجزاء من ارضنا، اعتقد بأن الاولوية الآن هي للعمل من اجل تحريرها وليس الدخول في زواريب السياسة الداخلية". وأكد التزامه"وحدة لبنان حتى آخر لحظة"من ولايته الدستورية"حماية لمسيرة السلم الأهلي". السنيورة ووجه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة كلمة الى اللبنانيين اكد فيها"العزيمة والتصميم على اعادة البناء". ودعا كل من غادر من عرب وأجانب للعودة الى لبنان الذي أحبوه، وقال:"نحن على ثقة ان الاصدقاء والاشقاء والمغتربين سيأتون لنعمل معاً يداً واحدة لإزالة آثار العدوان، فلبنان بحاجة الى سواعدكم". وأعلن السنيورة ان رفع الحصار ليس آخر المطاف في مواجهة ارتكابات العدو،"اذ علينا العمل على استكمال الانسحاب الى وراء الخط الازرق ونشر الجيش وعديد القوات الدولية الداعمة، وتثبيت وقف اطلاق النار، واطلاق الاسرى من السجون الاسرائيلية واستعادة مزارع شبعا، وكما نجحنا متضامنين في الصمود، فإنني واثق من نجاحنا لأنني اعرف الجوهر الصلب وسننجح في امتحان السيادة والحرية، ولا تنازل في أمن الجنوب والجنوبيين وبسط السلطة حتى الحدود الدولية، ومصممون بديموقراطية الحرية والمشاركة، على بناء الدولة مدماكاً فوق آخر، والدرس الذي علمتنا اياه الاحداث الماضية هو ان الحاجة ماسة الى دولة كاملة السيادة لها وحدها السلطة بواسطة قواتها ومؤسساتها من دون شراكة وازدواجية". انان يختتم جولته في هذا الوقت، أنهى الأمين العام للأمم المتحدة جولته الأوروبية والشرق أوسطية التي بدأها في 23 آب أغسطس الماضي في بروكسيل، بزيارة مدريد، حيث التقى كبار المسؤولين فيها وكرس معهم مسألة مشاركة اسبانيا في قوات"يونيفيل"الجديدة التي ناقش البرلمان الاسباني القرار في شأنها في جلسة له استمرت حتى مساء أمس. وأكد انان الذي عاد امس الى نيويورك، للصحافيين المرافقين له ان رفع الحصار عن لبنان بدءاً من أمس، سيشكل فاتحة مرحلة جديدة في العمل على تطبيع الوضع في لبنان. وقال أحد مساعديه ل"الحياة"ان جولته في المنطقة وبعض الدول الأخرى ناجحة بكل المقاييس وان المرحلة الثانية القريبة هي التأكد من الانسحاب الاسرائيلي من جنوبلبنان مع اكتمال الدفعة الأولى من قوات"يونيفيل". وأوضح أحد أعضاء الوفد المرافق لأنان ان الاشهر الثلاثة المقبلة مهمة جداً بالنسبة الى اعادة الاستقرار الى لبنان لأنها ستشهد عملية تقوية"يونيفيل"ورفع عددها من خمسة آلاف الى حد أقصى 15 ألفاً بالإضافة الى 16 الف جندي لبناني. وانطلاق إعادة الإعمار.