دعا عدد من فناني البصرة ومثقفيها الى إعادة إحياء الوجه الفني لهذه المدينة، مؤكدين ان مدينتهم التي اشتهرت على مدى عصور طويلة بالطرب وحب الفن، تعاني الحياة الفنية فيها اليوم من ركود واهمال، مذكرين بفرق مثل"الخشابة"و"الهيوة"و"أغاني المواسم"الحصاد وجني التمر والصيد بصفتها تعابير صادقة عن حياة أناس لم يعرفوا من ألوان الحياة غير لون السعادة. كانت هذه المدينة التي عرفت بمدينة الحياة والفن والأدب معهداً لتدريب المطربين والمطربات، وطريق مرور لهم في اتجاه دول الخليج وسائر الدول العربية الاخرى. فقد زارها، أو أقام فيها، مطربون ومطربات لهم فنهم وشهرتهم مثل: صديقة الملاية ووحيدة خليل وأمل خضير وفؤاد سالم ورياض أحمد، وغيرهم من مطربي الأجيال الماضية والحالية. يعود انتشار الطرب في البصرة إلى جمال طبيعتها المتمثلة في شط العرب، وبساتين النخيل التي تمتد على شاطئيه، وغابات الأثل الخضر في الزبير التي يؤمها أهالي البصرة في فصل الربيع للنزهة والترويح عن النفس. ويعد جوهر العبد واسمه الحقيقي جوهر سالم بن كيف العبد المولود عام 1875 في محلة جسر العبيد في البصرة القديمة، من أقدم المطربين الذين وصلتنا أخبارهم. فكان، إلى إجادته إيقاعات الخشابة وإبداعه فيها، يلم بمعظم أطوار الأبوذية والمقامات البصرية. وكان يكتب الشعر الشعبي والشعر الغنائي ويلحن ما يعرف عراقياً ب"البستات". وكلما دعاه أمير المحمرة الشيخ خزعل، كان يصطحب معه بعض مطربي البصرة ومطرباتها، مثل صديقة الملاية وزهرة خليل وحياة العراقية. وكان الشيخ خزعل معجباً بغنائه وغناء صديقة الملاية. فكانوا يقيمون في ضيافته فترات طويلة في المحمرة،حتى انتهت رحلة حياته الفنية بوفاته في البصرة عام 1924. أما المطرب الزبيري خالد الرجيب الذي عرف بإجادته فن الأبوذية بجميع أطوارها والمقامات البصرية، فقد دفعه صوته المميز واتجاهه للغناء الخليجي إلى الهجرة الى الخليج حيث بقي حتى وفاته عام 1978. ويعد مطرب"الخشابة"المعروف حميد الياسر، المولود سنة 1929 والمعروف بعذوبة الصوت وإجادته المقامات البصرية، واحداً من أشهر مطربي المقام والخشابة على الإطلاق. إذ ظل متربعاً على عرش الغناء البصري حتى وفاته عام 1975. وشكل الشقيقان معتوق وربيع في قرية حمدان التابعة لقضاء أبي الخصيب، جنوبالبصرة، فرقة للخشابة كانت من أجمل الفرق الشعبية أداء للأغنيات العراقية والمصرية والكويتية. وراح الناس يفخرون بدعوة فرقتهم في الأعراس والمناسبات الأخرى. وكان لحضورهما افتتاح سينما أطلس في البصرة عام 1969، صدى كبيراً في الوسط الفني آنذاك، ومناسبة من الحكومة للاعتراف بفن الخشابة الذي ظل في نظر البعض"فناً دونياً"لا يتناسب وذوق الجمهور. هذه المدينة التي كانت يوماً ما قبلة للحياة والفن، هي اليوم في حاجة إلى التذكر، إلى من يخلصها من التطرف الذي صار يعبث بطرقاتها وسككها التي كانت آمنة، إلا من لصّ غير ظريف أو عابث يلهو بمزماره تحت أفيائها الوارفة.