كان الهدف من عملية"الوعد الصادق"التي قام بها"حزب الله"استرداد الأسرى اللبنانيين وفي مقدمهم عميدهم سمير القنطار ومئات الاسرى الفلسطينيين والعرب. ولم يتوقع الحزب حجم الرد الاسرائيلي القاسي على هذه العملية، كما جاء على لسان أمينه العام في المقابلة التلفزيونية الأخيرة، باعتبار أن صواريخ الحزب تشكّل عنصر ردع أمام أي عدوان كبير، وأثبتت الاحداث قصوراً في القراءتين السياسية والاستراتيجية للحزب، ما ورّط لبنان في حرب مدمرة سيبقى يعاني من آثارها السلبية عدة سنوات. حاورت القيادات السياسية للغالبية الشعبية"حزب الله"لمدة عام، في محاولة لايجاد صيغة مقبولة لسلاحه، لئلا يبقى خارج الدولة وورقة في أيدي أطراف اقليميين، تستعمل في أهداف غير لبنانية أو في حسابات خاطئة. وكانت تجد من الحزب ممانعة في انخراط عناصره في الجيش وتسليم سلاحه الى الدولة، وتشبثاً بالعمل المقاوم لتحرير مزارع شبعا وحماية لبنان، ورفض نشر الجيش في الجنوب والتنسيق مع الدولة في القرارات التي تتعلق بمصير الوطن. كانت مزارع شبعا حتى العام 2000 جزءاً من الأراضي السورية المحتلة وتابعة للقرار 242، ما دفع المسؤولين اللبنانيين الذين شاركوا في مؤتمر مدريد للسلام، الى الإعلان عن تمسك لبنان باتفاقية الهدنة لأن القرار 242 لا يعنيهم لعدم وجود أراض لبنانية محتلة، وأن مشاركة لبنان في المؤتمر كان بهدف دعم القضايا العربية. وبعد انسحاب اسرائيل من الجنوب أعلن"حزب الله"تمسكه بسلاحه لتحرير المزارع، لإبقاء ساحة الجنوب مفتوحة للضغوط السورية على اسرائيل. وعندما حاولت الدولة إزالة هذا اللغم باستعادة المزارع بالطرق الديبلوماسية من خلال الأممالمتحدة، لم تجد تجاوباً لدى الحكومة السورية، ولم يساعدها الحزب في الحصول على المستندات اللازمة من سورية، وكان في إمكانه ذلك نظراً للعلاقة المتينة التي تجمعه بالنظام السوري. وبعد أن توقفت الأعمال الحربية بين اسرائيل و"حزب الله"في انتظار الوقف النهائي والدائم لإطلاق النار، بعد انتشار القوة الدولية المعززة في الجنوب واستكمال انسحاب القوات الاسرائيلية من الاراضي التي احتلتها خلال العدوان الأخير، نجد ضرورة في تعداد الأهداف التي يحققها المتحاربون وتلك التي فشلوا في تحقيقها من الحرب التي خاضوا غمارها على الاراضي اللبنانية، من دون إرادة غالبية اللبنانيين الذين عليهم في النهاية تحمّل نتائجها وأعبائها. لم تكن الحرب الأخيرة حاسمة في نتائجها السياسية، واعتبر كل من شارك فيها مباشرة أو مداورة أنه حقق انتصاراً، وفي ما يلي موجز ما حقق كل فريق وما أخفق في تحقيقه من منجزات: - أثبت"حزب الله"عن تنظيم حديدي وتدريب عسكري عال ومقدرة قتالية فائقة ومقاومة باسلة وتشبث بالأرض، ما أعاق تقدم العدو وتكبده الخسائر الفادحة في الرجال والمعدات. ونال تأييداً عربياً واسلامياً واسعاً، وأثبت للعالم أنه تنظيم مقاوم وليس منظمة ارهابية كما كانت تسميه بعض الدول الكبرى، ما أعطاه شرعية دولية جاء ذكرها في القرار الدولي 1701. أثار الخوف والرعب في قلوب الاسرائيليين، وجعلهم يقبعون في الملاجئ طيلة فترة العدوان، وطاولت صواريخه مناطق في العمق الاسرائيلي إضافة الى المستوطنات والبلدات الشمالية. في المقابل لم يحقق الحزب الأهداف التي من أجلها تشبّث بسلاحه ورفض تسليمه الى الدولة، فلم تتحرر مزارع شبعا بقوة السلاح وترك أمر تثبيت لبنانيتها وتحريرها الى الوسائل الديبلوماسية التي نادت بها الدولة، ولم يعد وارداً تحرير مئات الأسرى العرب، حتى أن تحرير سمير القنطار صار صعباً بعد أن اصبح لدى اسرائيل اسرى جدد من أعضاء الحزب، ولم يستطع الحزب على رغم مقاومته الشرسة حماية لبنان من الاعتداءات الاسرائيلية التي فتكت بأبنائه وبناه التحتية ومرافقه العامة وأبنيته السكنية واقتصاده، واحتلال جزء من جنوبه. وينهي دخول الجيش اللبناني الى الجنوب وتولي الأمن فيه بمساعدة القوات الدولية، السيطرة الفعلية للحزب على هذه المنطقة بحيث تعود الى حضن الشرعية. - أما اسرائيل فإنها استطاعت إبعاد"حزب الله"عن حدودها الشمالية وإيقاف العمليات العسكرية في منطقة المزارع، وإعادة الأمن والاستقرار الى المدن والمستوطنات الشمالية، وفك التلازم بين المسارين اللبناني والسوري وإنهاء التأثير العسكري الايراني في الساحة الجنوبية. لكنها فقدت هيبتها العسكرية أمام آلاف معدودة من المقاتلين الأشداء، وفشلت في تحقيق الأهداف التي أعلنتها عند شن عدوانها على لبنان، وهي تجريد"حزب الله"من سلاحه والقضاء عليه سياسياً وعسكرياً خلال مدة وجيزة، وبدأت التجاذبات والخلافات بين قادتها السياسيين والعسكريين بسبب فشل خطتها الحربية، ما دفع بجنودها الى الضياع والمعاناة والتشتت. - فشلت سورية في استدراج الولاياتالمتحدة الاميركية والاتحاد الأوروبي للتفاوض معها حول الجولان المحتل وتهدئة الأوضاع في لبنان، وأدت الحرب الى عزلها وفك الارتباط بين المسارين اللبناني والسوري وتشديد الرقابة على حدودها مع لبنان لمنع تهريب الأسلحة الى"حزب الله"والقوى اللبنانية والفلسطينية الحليفة لها. ويتخوف اللبنانيون من أن تعمد سورية الى توتير الأجواء السياسية والأمنية في لبنان، انتقاماً منه واستدراكاً للتقرير المتوقع صدوره عن المحقق الدولي براميرتز في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. - استفادت ايران بتخفيف الضغوط الدولية عليها بشأن ملفها النووي وأبعدت الضربات العسكرية عن مفاعلاتها النووية، لكنها لم تستطع في المقابل إرساء موقع قوي لها في المنطقة، لتشارك الولاياتالمتحدة الأميركية في القرارات المهمة المتعلقة بالمنطقة، ويعتبر التحجيم العسكري ل"حزب الله"ضربة قاسية لها تبعدها عن التأثير المباشر في القضية المركزية للعرب. - استطاعت الولاياتالمتحدة الأميركية إغلاق ساحة الجنوب على الصراعات الاقليمية والدولية، وتقليم أظافر سورية وايران في المنطقة، وإعادة الجنوب الى الشرعية اللبنانية، وأدت قساوة الاعتداءات الاسرائيلية الى حقد العرب والمسلمين على الإدارة الأميركية الظالمة. - خسر لبنان كثيراً من الحرب، فقد دمرته الآلة الحربية الاسرائيلية انتقاماً منه وخوفاً من موقعه المنافس بما لديه من المميزات والقدرات والكفاءات الانسانية، وعلى رغم ذلك سيعيد اللبنانيون إعمار بلدهم درة الشرق ولؤلؤته. وبعد أن أعطى القرار 1701 الدولة اللبنانية القوة والدعم اللازمين لتبسيط سيطرتها ونفوذها وحدها على جميع الاراضي اللبنانية، وأن يكون حمل السلاح محصوراً بقواها العسكرية وأن تكون القرارات الرئيسية في يدها وخصوصاً قرار الحرب والسلم، فمن غير المسموح به بعد اليوم وجود دولة ضمن الدولة والتهاون في القرارات المهمة خصوصاً تلك المتعلقة بمصير الوطن ووحدة أبنائه، فهل تحزم الحكومة اللبنانية أمرها وتتولى قيادة الوطن الى شاطئ الأمان والاستقرار؟ * كاتب لبناني