كثيرون هم الناس الذين يلجأون إلى كذبة صغيرة أو بيضاء لتفادي الوقوع بالحرج في موقف ما، ويبررون استخدامها بأنها لا تؤذي ولا تضر، بل تنجي من مأزق. ويمكن الزعم أن الممثلين هم أبرع الناس في استخدام هذه"المهارب"أي الكذبات الصغيرة، فهم يجسّدون بقدراتهم مواقف أو لقطات تبدو مقنعة إذا كان الممثل بارعاً، بالطبع. وإذا أخذنا الممثل المسرحي، على سبيل المثال، فهو يبقى طوال العرض في مواجهة مباشرة مع جمهور المتفرّجين. وعليه، إذاً، أن يقوم ما في وسعه لدفع الناس لتصديق الدور الذي يؤديه. رؤوف بن عمرو، ممثل ومخرج مسرحي تونسي، له أعمال كثيرة، وتجارب، منذ سبعينات القرن الماضي. ويرفض بن عمرو فكرة الكذبة البيضاء، والكذب بشكل عام، في المسرح، فهذا"فن والفن فيه صدق ولا مكان فيه لكذبة بيضاء أو سوداء. وأحداث المسرحية تُستقى من الواقع أو تعيد تركيبه أو ترمز إليه، خصوصاً أن معظم الأعمال يتكلم عن الإنسان وحياته ومعاناته وأوضاعه". والممثل يتقيّد بسير المسرحية وسياقها العام، فلا يخرج عنهما. وأما الارتجال والإضافات، من مبالغات أو تحريف اضطراري أو لازم..، فتتوقّف عندما يُتّفق على ما يتماشى منها مع سياق العرض وقدرات الممثلين... ولا دخل هنا للكذب، أصلاً. وبرأي بن عمرو أن أي تغيير للعمل يجب أن يتم خلال فترة التمارين. وقدرة الفنان هي في الإقناع بأن ما يقدمه هو صحيح وهو واقع وملموس، حتى لو كان كذباً، فهذا جزء من الحياة اليومية. ويعتقد بن عمرو بوجوب ترك مساحة بين الممثل والشخصية، تتيح للجمهور أن يدرك الفرق بينهما،"فشخص الممثل لا يذوب في الشخصية، في كل الأحوال". واستند المخرج إلى إحدى المسرحيات المعروفة في تونس، عنوانها"في هاك السردوك نريشو"، ويقدمها الممثل الأمين النهدي، وهي تقوم على الارتجال وپ"شطارة الممثل"، والنص لا يكون مكتوباً ومحفوظاً. وفي هذا النوع من المسرحيات التي تصوّر، كاريكاتورياً، بعضاً من تصرفات المواطن أو المسؤول في تونس، يمكن إطلاق بعض الكذبات الطريفة. محمد إدريس، المخرج المسرحي ومدير المسرح الوطني، وهو على وشك إنهاء فترة تدريب آخر مسرحياته"عطيل"للكاتب الإنكليزي وليام شكسبير، يعتبر أن التمثيل على خشبة المسرح يقوم على واقع"بل هو ينشر الواقع". فلا تقوم المقارنة بين الكذب والتمثيل. وحتى لو كان الممثل أداة لنقل تصوّر ما للمخرج أو كاتب النص... فهو لا يقدم كذباً، بل يقدم واقعاً حياتياً يومياً يعرفه الجمهور.