عاد المشهد السياسي في لبنان الى سابق عهده، من الصراع على طبيعة القرارات والسياسات التي تتخذ، حيث تمخض عن انتاج مواقف تعبر عن التوازن والتعايش القسري بين الأطراف المختلفة داخل الحكومة وفي مجلس النواب، إن كان لناحية مهمة قوات اليونيفيل أو لجهة سلاح المقاومة وتفسير القرار 1701 بما يذكر بطريقة التعامل مع القرار 1559. غير ان ما يلفت النظر أن قوى لها وزنها الكبير في المعادلة السياسية وفي الشارع بدأت تطرح ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية, وفي مقدمة هذه القوى"التيار الوطني الحر"و"حزب الله". لكن تحقيق هذا الهدف يقتضي توسيع الحكومة الحالية بحيث تستوعب القوى والتيارات السياسية ذات الوزن والتثميل الشعبي والنيابي والوطني. لكن هل هناك من مبررات موضوعية لمثل هذا الطرح؟ وهل بالامكان ان يبصر النور؟ أم أنه يواجه عقبات فعلية؟ وما هي هذه العقبات؟ وبالتالي ما هي الآفاق في ضوء استمرار التباين واقتراب موعد استحقاق رئاسة الجمهورية؟ أولاً: مبررات طرح حكومة وحدة وطنية تنطلق من جملة اعتبارات هي: 1- بعد العدوان الإسرائيلي الذي الحق دماراً واسعاً بالبلاد والتحديات التي يفرضها القرار 1701 برزت حاجة ماسة لإشراك جميع القوى والطاقات الوطنية لمواجهة هذه التحديات وتحصين الوضع الداخلي وإعادة الاعمار بشروط تنطلق من حسابات وطنية بعيداً عن التجارب الاعمارية السابقة التي جرى اهدار أموال طائلة خلالها. 2- ان فشل العدوان الاسرائيلي في تحقيق أهدافه التي ارادها بفعل المقاومة الضاربة التي واجهها لا يعني ان حكومة العدو لا تفكر بالعودة إلى الثأر مجدداً لاهتزاز صورة قوتها الردعية، خصوصاً إذا وجدت ان الظروف اللبنانية الداخلية مواتية لذلك من ناحية الانقسام والاختلاف على الموقف من المقاومة وأهميتها كقوة ردع في اطار استراتيجية الدفاع الوطني والتي اثبتت جدواها في الحرب الأخيرة التي راهن الكثيرون خلالها على أن المقاومة لن تتمكن من الصمود في مواجهة جحافل الجيش الإسرائيلي. فإذا كانت المقاومة قد خلقت رادعاً كبيراً أمام محاولات إسرائيل في المستقبل لتكرار العدوان على لبنان، فان تعزيز الجبهة الداخلية وتحصين الوضع الوطني حول المقاومة كحق وخيار وطني يسهمان في قطع الطريق على أي محاولات إسرائيلية لاستثمار الصراعات الداخلية اللبنانية والتفكير مجدداً في العودة إلى المراهنة عليها في تنفيذ عدوان جديد. 3- وجود شعور كبير بأن المجلس النيابي الحالي لم يعد يعبر عن الواقع السياسي والشعبي الفعلي، حيث من المعروف ان هذا المجلس جرى انتخابه في ظروف استثنائية عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومن ناحية ثانية هناك طعن في نتائج انتخابات دائرة عالية بعبدا لم يبت به بسبب تعطيل مؤسسة المجلس الدستوري، ومن ناحية أخرى فان"التيار الوطني الحر"الذي يمثل اغلبية مسيحية غير ممثل في الحكومة رغم أنه يحظى بكتلة نيابية كبيرة تبلغ 21 نائباً مما يشكل تعارضاً مع ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني لجهة تشكيل حكومات ما بعد الطائف، والتي يجب ان تراعي تمثيل كل الشرائح والكتل ذات التمثيل الشعبي من كل الطوائف. ثانياً: إذا كانت الاعتبارات المذكورة آنفا تبرر ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية فهل تكفي لتحقيق هذا الهدف الوطني الضروري أم هناك عقبات تقف في الطريق تحول دونه؟ ان التمعن في المشهد السياسي يظهر وجود عقبات متعددة: 1- رفض مبدئي من قبل فريق الأكثرية النيابية المسيطر على الحكومة لأي توسيع حكومي باعتبار ان الصيغة الحالية صيغة مريحة له وأن مشاركة الآخرين متوفرة من خلال المجلس النيابي والتشاور وبالتالي ليس هناك برأيه من ضرورة لإحداث تعديل في الحكومة يُدخل أطرافاً جديدة إليها. 2- ان فريق الأكثرية مرتبط بأجندة سياسية متناقضة مع أجندة"التيار الوطني الحر"المتحالف مع"حزب الله"وتربطه علاقات جيدة مع القوى والأحزاب الوطنية، ولذلك يرى فريق الاكثرية ان اشراك عون في الحكومة سيؤدي إلى تعزيز الموقف السياسي المعارض لمواقف هذا الفريق المعروفة من قضايا أساسية في البلاد ما يجعله يقاتل بشدة ضد أي توجه لتشكيل حكومة وحدة وطنية. 3- في حال توفرت ظروف تفرض على فريق الأكثرية قبول فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية فستبرز مشكلة كانت قد ظهرت أثناء تشكيل الحكومة بعد الانتخابات وهي حجم التمثيل وطبيعة الحقائب التي يتولاها كل فريق، وهذه مشكلة ليست سهلة الحل لأنها مرتبطة بآلية انتاج القرار الحكومي من جهة وبالنفوذ داخل السلطة من جهة ثانية. ففريق الأكثرية يعارض ولا يرغب مطلقاً دخول عون إلى الحكومة حتى لا يشكل مع وزراء"أمل"و"حزب الله"ورئيس الجمهورية الثلث المعطل، وبالتالي يفقد القدرة على اتخاذ القرارات التي يريدها لحظة الضرورة. ثالثاً: الآفاق إذا كانت العقبات التي تواجه تشكيل حكومة وحدة وطنية عقبات ليست بسيطة فما هي الآفاق في ضؤ ذلك: 1- من الزاوية الواقعية فان الأفق المنظور حتى الآن هو استمرار واقع الحال القائم حاليا على أساس نوع من التوازن والتعايش القسري ريثما تنضج ظروف وتبرز معطيات في اتجاه من الاتجاهات تفرض تغييراً في المعادلة القائمة. 2- هناك أفق بأن يؤدي رفض تشكيل حكومة وحدة وطنية إلى خلق توتر سياسي وفي الشارع نتيجة لذلك، حيث لم يخف"التيار الوطني الحر"عزمه القيام بتحركات شعبية من قبيل العصيان المدني أو الانتفاضة الشعبية لفرض هذا المطلب أو إجراء انتخابات مبكرة تحسم مسألة وأحجام التمثيل الحقيقية. 3- حتى لو لم يحصل تبدل في الوضع القائم حالياً فان اقتراب موعد استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية سيؤدي إلى احتدام الصراع لأن"التيار الوطني"و"حزب الله"والقوى والفعاليات الوطنية في البلاد سيرفضون انتخاب رئيس جديد في ظل المجلس النيابي الحالي ويطالبون بانتخابات مبكرة يتمخض عنها مجلس جديد يعبر عن الواقع الشعبي الفعلي ويقوم هو بانتخاب رئيس جديد للجمهورية. * كاتب وصحافي فلسطيني