نشرت صحيفتنا الأربعاء الماضي حواراً صريحاً ومباشراً مع عضو سابق في تنظيم"القاعدة"، يدعى محمد التميمي، تمكّن الزميل محمد الطريري من محاورته وتسجيل شهادته، في عمل صحافي احترافي، حيث كشف الضيف عن"البشارة"التي بشّرهم بها أسامة بن لادن في معسكر الفاروق، قبل أحداث 11 أيلول سبتمبر بأسبوعين، وعن الرقم الذي كان يتوقعه لأعداد ضحايا الهجمات قبل وقوعها، وعمّا قاله أبو حفص المصري للمجاهدين العرب بعد العملية بثلاثة أيام. وكشف التميمي كيف تم تجنيده من خلال البرامج الحوارية على الانترنت، التي كان يشرف عليها كل من يوسف العييري الذي قتل في مواجهة دموية مع قوات الأمن السعودية في 1 حزيران يونيو 2003، وعلي الفقعسي الذي سلّم نفسه لمساعد وزير الداخلية في 26 حزيران 2003، من خلال ترويجهما لفكر"القاعدة"في شكل غير مباشر. كان الحوار شيقاً من خلال حديث الضيف، وذكياً من جانب زميلنا الطريري، حتى ان القارئ كان لزاماً عليه تفحص الكلمات مرات عدة، ليخرج بالنتائج والخلاصات والاستنتاجات، لشخص يدون شهادته ويروي ما رآه في معسكرات"القاعدة"قبل هجمات 11 سبتمبر. وروى التميمي قصة رحلته إلى أفغانستان، حيث توجّه إلى مضافة مخصصة للشباب الواصلين الى قندهار حديثاً، مشيراً إلى ان أكثر ما لفت انتباهه أثناء أداء الصلاة في المضافة، قول الإمام في دعاء القنوت"اللهم أعْم أبصار الكفار عن إخواننا الذين خرجوا للعمليات الاستشهادية"، وكان خبر عملية 11/9 منتشراً هناك قبل تنفيذها بوقت. بعد ذلك، غادر التميمي إلى معسكر الفاروق، الذي مكث فيه قرابة شهر، قابل في أثنائها ابن لادن، الذي جاء في زيارة إلى المعسكر، يرافقه أيمن الظواهري. مشيراً إلى ان الظواهري تحدث في تلك الزيارة عن فضل الجهاد، وأهمية استهداف أميركا باعتبارها"رأس الكفر"، وتحدث بعده ابن لادن عن العملية الاستشهادية وهي العبارة التي كان يشار بها إلى عملية 11/9 قبل وقوعها، إذ قال:"أما ما يتعلق بإخوانكم الذين خرجوا للعملية الاستشهادية، فهم خرجوا يحملون أرواحهم على أكفهم، نسأل الله أن يعمي أبصار الكفار عنهم، وأبشّركم بأنكم خلال الأيام المقبلة ستسمعون أخباراً تسركم". ويقول التميمي:"في عصر يوم 11/9 كنت أتجول في السوق، وفاجأني أحد الأفغان المعممين بعمامة طالبان الشهيرة، وجذبني إليه بعنف وهو يصرخ"عرب زندباد، ابن لادن زندباد، مجاهدين زندباد"، وكنت مذهولاً من تصرفه، فأنا أعرف ترجمة كلامه، الذي يعني أن العرب وابن لادن والمجاهدين أبطال، لكن لم أفهم الدافع المفاجئ لتصرفه". ويسرد الضيف الطرق الوعرة التي سلكها لكي يعود إلى كابل التي سقطت هي وجلال أباد بالتزامن بعد وصوله إليها بيوم، مشيراً إلى بداية تفكيره في الخروج من أفغانستان، غير أن خوف المجاهدين من الوقوع في مشكلة"التولي من الزحف"، التي تعد من السبع الموبقات، كما جاء في الحديث الشريف، جعلهم يترددون. ويوضح التميمي كيف تعرف هناك على أبي مصعب الزرقاوي، حيث كاد يقتله أثناء قيامه بالحراسة الليلية، عندما رأى شخصاً قادماً وأمره بالتوقف بواسطة عبارة محلية"درَش"، لكنه لم يتوقف، وفي اللحظة التي صوب فيها السلاح نحوه، رفع يديه وقال:"أنا الزرقاوي"، ولو لم يقلها لكان قتله. ومما ذكره التميمي ما قامت به وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الطالبانية، عندما جلدت أحد الوزراء الطالبانيين لتأخر ضيوفه عن الصلاة مع الجماعة، ورفض الوزير أن يُجلد ضيوفه فتم جلده بدلاً منهم. ويشرح عملية وصوله إلى كويتا بعد الاتفاق مع أحد المهرّبين على إيصالهم إلى الحدود الإيرانية، بدفع كل فرد ألف دولار، حيث قبضت عليهم الاستخبارات الإيرانية، وسهّلت خروجهم، ووضعت على جواز كل شخص منهم إقامة لستة أشهر في إيران، ليعود بعدها إلى السعودية عن طريق مطار الدوحة. مثل هذه الشهادات والتجارب جديرة بالقراءة، علماً ان أكثر ما لفت انتباهي هو عملية تجنيد الشباب واستقطابهم عبر الانترنت، بدواعي محاربة الجهل والكفر، ليتم تحويل تلك العقول البريئة إلى عقول مفخخة وأجساد انتحارية. ما أرجوه ان تراقب عيوننا تصرفات أبنائنا ومن يتحدثون إليه عبر المواقع الالكترونية ومعرفة سلوكياتهم وأصدقائهم، ومتابعة تحركاتهم، قبل ان يصبحوا أعضاء في تنظيمات متعددة ك"القاعدة"، تزهق الأرواح وتبيح القتل بجهل لا بعلم!