خلال النصف الأول من تشرين الأول أكتوبر المقبل تبدأ الدراسة للفصل الشتوي 2006-2007 في الجامعات الألمانية. وسيكون آخر الفصول التي يدرس فيها الطلاب من دون دفع أقساط في ست ولايات ألمانية، أقرت أخيراً فرض رسوم بدءاً من الفصل الدراسي الصيفي في السنة المقبلة. وستتراوح قيمة القسط في الفصل الواحد بين 500 و650 يورو. وعلى رغم من أن مثل هذه الأقساط متواضعة مقارنة بمثيلتها التي تفرضها الجامعات الأميركية والبريطانية، فإنها ستشكل عبئاً على أبناء العائلات المحدودة الدخل، إذ لن يكون في وسع كثيرين منهم دخول الجامعة إلا في حال حصولهم على منح دراسية. ويخص هذه الأمر في الدرجة الأولى الطلاب الأجانب من البلدان العربية والنامية، اذ ان عدداً كبيراً منهم كانوا يجدون في ألمانيا ملاذاً للدراسة لكونهم لا يستطيعون تحمّل أعباء الأقساط في بريطانياوالولاياتالمتحدة. ويعود تفضيل عدد كبير من الطلاب الأجانب ألمانيا وخصوصاً لكليات الهندسة فيها، إلى تمييز جامعاتها برسوم رمزية حتى الآن، ولا يتجاوز معدلها 200 يورو عن كل فصل دراسي بما في ذلك قيمة بطاقة التنقل في المواصلات العامة. وهذا ما جعل كثيرين يعتبرون ألمانيا بمثابة جنة للدراسة من حيث التكلفة. غير أن هذه الجنة الدراسية لن تستمر في ولايات هامبورغ، هيسن، بافاريا، شمال الراين - ويستفاليا، ساكسونيا السفلى وبادن- فورتمبيرغ. ويتوقع أن تحذو حذوها باقي الولايات الألمانية العشر الأخرى. وتشتكي حكومات الولايات من ارتفاع نفقات التعليم الجامعي وتدني مستواه بسبب الكثافة الطلابية مقارنة بإمكانات الاستيعاب، ما يستدعي فرض الأقساط لرفع هذا المستوى من خلال تحديث المختبرات والأبنية ومستلزمات التعليم الأخرى بحسب عدد كبير من صناع القرار السياسي. وتأتي خطوة فرض الأقساط الجامعية على خلفية قرار المحكمة الدستورية الألمانية العليا الذي أعطى للولايات هذا الحق. وبناء عليه ألغي قرار الحكومة الاتحادية الذي صدر عام 2002 بنصٍ لا يقر ممارسة هذا الحق، الأمر الذي دفع حكومات ولايات عدة إلى تقديم شكوى إلى المحكمة التي أعطتها الحق على أساس التشريعات الدستورية، التي تعتبر التعليم من اختصاص الولايات وليس الحكومة الاتحادية. وفتح القرار الباب أمام فرض الأقساط الجامعية للمرة الأولى منذ عقود طويلة تمتعت فيها الجامعات بدعم سخي من قبل حكومات الولايات والحكومة المركزية. وكانت ولاية هسن أول الولايات التي أعلنت عن نيتها تحصيل قسط جامعي بقيمة 500 يورو عن كل طالب وكل فصل اعتباراً من الفصل الأول من العام المقبل. قرار ولاية هيسن وخمس ولايات أخرى أثار موجة احتجاجات واسعة في صفوف قوى سياسية عدة، في مقدمها الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي يشارك في الائتلاف الحكومي الحالي. وتظاهر الطلاب في أكثر من مدينة ضد فرض الأقساط الجامعية وتحويل التعليم إلى تجارة رابحة. وفي ضوء الاحتجاجات الواسعة ومعارضة قوى وأحزاب سياسية رئيسة، لم تصدر حتى الآن قرارات بتحصيل الأقساط في برلينوالولاياتالشرقية وولايات شمال ألمانيا باستثناء هامبورغ. غير أن امتناعها عن ذلك مسألة وقت بحسب غالبية المراقبين، لأن متطلبات تحديث الجامعات ستجبرها على اعتماد هذه الخطوة المزعجة لشريحة واسعة. ويرجح فرضها الأقساط سياسة التقشف التي تتبعها الحكومة المركزية، والتي سبق أن أعلنت خطوطها العامة المستشارة آنجيلا مركل عقب فوزها. وكانت شكلت جانباً من برنامج حملتها الانتخابية. ومع فرض الأقساط في الولايات الست، سيكون الأمر صعباً بالنسبة للطلاب الأجانب فيها الذين يعملون بدوام جزئي الى جانب دراستهم، تمكناً من توفير نفقات اقامتهم، ولا سيما أن القوانين لا تسمح للطالب الأجنبي بالعمل أكثر من 20 ساعة في الأسبوع. أما بالنسبة للطلاب الآخرين من ذوي الإمكانات المالية الجيدة، فإن الدراسة في ألمانيا ستبقى أكثر جاذبية، خصوصاً أن الأقساط في دول غربية أخرى والولاياتالمتحدة ستبقى تفوق بأضعاف مثيلتها في الجامعات الألمانية في المدى المنظور.