سألت وزير خارجية خليجياً عن رأيه في تطورات الوضع بين لبنان وإسرائيل، ورجوته أن يبدي بعض الإيجابية لأن الزملاء كلهم في"الحياة"متشائمون الى درجة انني أصبحت اتجنب مناقشتهم حتى لا أصاب بالعصبي. لم أجد الوزير، وهو صديق قديم، متشائماً، إلا أنه لم يكن متفائلاً، وهو قال إن القتال توقف من دون أن تحسم المعركة. وفي حين تحاول اسرائيل اليوم أن تحقق بالسياسة ما عجزت عن تحقيقه في الحرب، فإن اللبنانيين منقسمون بالنسبة الى ما حدث، وعلى المستقبل، وهو أمل الا يساعد الانقسام اللبناني اسرائيل على تنفيذ مخططها. الوزير وجد الأعذار للبنانيين، فهو قال إن اتفاقهم ضروري، إلا أن الأمر ليس بيدهم وحدهم، وركز على الدور السوري، وقدرة سورية وايران على المساعدة، وأيضاً على التعطيل. الدور السوري برز أيضاً في حديثي مع الوزير، قبل أن يتوجه الى نيويورك للمشاركة في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكنت سألته عن المبادرة العربية المعروضة على مجلس الأمن، فقد اتفقت الدول العربية بالإجماع على موقف خلاصته أن الجهود الأميركية لحل النزاع العربي - الإسرائيلي فشلت، والمجموعة العربية تريد من الأسرة الدولية العمل لحل يقوده مجلس الأمن. قال الوزير الذي أصر على عدم ذكر اسمه إنه يتحفظ عن توقيت المبادرة العربية، فهو لا يشعر بأن الدول العربية تملك وسائل ضغط كافية لإقناع الولاياتالمتحدة بترك الموضوع في عهدة مجلس الأمن. هو رأى أن المشكلة في رام الله وليست في نيويورك، وأنه قبل أن يعرض العرب موقفهم على مجلس الأمن يجب أن يصلح الرئيس محمود عباس الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، ويرى العرب والعالم تشكيلة الحكومة الجديدة ويسمعون خطابها السياسي، فحتى اليوم لا تزال اسرائيل والولاياتالمتحدة تبديان تحفظات على رغم ما ذكر عن اتفاق حماس وفتح على تشكيل حكومة ائتلافية. الوزير الخليجي قال إن السوريين لا يزالون يلعبون الورقة الفلسطينية، والوضع سيخطو الى الأمام اذا استطاعت الدول العربية اخراج سورية من تحت المظلة الإيرانية فمن شأن هذا أن يزيد صدقية أي موقف عربي في طلب السلام، ويزيد بالتالي الضغوط على الولاياتالمتحدة لتأييده. قلت للوزير إن تقديري الشخصي هو أن سورية لن تتخلى عن تحالفها مع ايران لأنه مضمون، في حين أن لا ثقة بالموقف الأميركي ونيات إدارة بوش التي لا تقدم شيئاً حقيقياً قد يشجع سورية على التفكير بموقف بديل. كان رأي الوزير مثل رأيي فهو استبعد تغيير سورية موقفها، إلا أنه حذر من أن عواصم عربية كبرى غاضبة على دمشق، وسأل هل من الحكمة إغضاب شقيقة نافذة أو أكثر، أو الاستمرار في التعاون مع ايران في وقت ثبت فيه أن لهذه استراتيجية تتعارض مع المصالح العربية. قلت للوزير إنني لا اخشى من اختلاف اللبنانيين بعضهم مع بعض، لأنني واثق من أنهم لن يقتتلوا من جديد، إلا أنني اخشى تأثير مواجهة أميركية واسرائيلية مع ايران، وانعكاساتها على الوضع اللبناني. الوزير قال انني اعرف دخائل الوضع اللبناني أكثر منه، إلا انه رأى أن المواجهة مع ايران قادمة حتماً اذا لم توقف تخصيب اليورانيوم، وأن هذه المواجهة لن تؤثر سلباً في الوضع اللبناني وحده، وانما ستشمل المنطقة كلها، وتهدّد رخاء شعوبها ومستقبل أبنائها. سألت الوزير كيف تستعد دول الخليج للتعامل مع المواجهة القادمة، وهو قال إن الوزراء عقدوا اجتماعات عدة ودرسوا الوضع من كل جوانبه، إلا انه سأل ماذا تستطيع هذه الدول أن تفعل اذا وقعت المواجهة فهي في مصيبة اذا فعلت وفي مصيبة اذا لم تفعل ترجمتي بتصرف عن عبارة معروفة بالانكليزية قالها الوزير. هو أصر على ان الولاياتالمتحدة واسرائيل لن تسمحا لإيران بامتلاك قنبلة نووية، فاذا أصرت ايران على المضي في هذا الطريق فالمواجهة قادمة حتماً. وفي حين أن هناك دولاً كثيرة، في الخليج وخارجه تحاول أن تثني ايران عن عزمها وتنبهها الى الأخطار، فإن هناك من يحرضها، وهذا موقف وجده الوزير مستهجناً لأن المواجهة اذا وقعت لن توفر أحداً. قلت للوزير إن شعوري هو أن ايران تعمل لانتاج سلاح نووي، وإن معلوماتي هي أن ايران سترد في العراق والخليج كله، وعبر سورية وحزب الله في لبنان. سألت الوزير عن تصريح وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الأسبوع الماضي أن بالامكان وقف المطالبة الأميركية بعقوبات دولية على ايران مدة شهرين اذا أوقفت إيران تخصيب اليورانيوم شهرين، أو"تعليق مقابل تعليق"كما قالت الوزيرة، وشرط وجود رقابة دولية للتأكد من أن ايران علقت التخصيب فعلاً. الوزير لاحظ ان الولاياتالمتحدة وجدت أن لا حماسة تذكر للعقوبات، وربما رأت أن تجرب اسلوباً آخر، إلا انه شخصياً لا يتوقع مواجهة خلال شهرين، وانما خلال ستة أشهر أو نحوها اذا اصرت ايران على الاستمرار في برنامجها النووي. شخصياً، أجد الولاياتالمتحدة تلفّق المعلومات عن إيران، في اعادة لجو التحضير لغزو العراق، وما قرأنا عن المبالغة في تفسير تقارير وكالة الطاقة الذرية الدولية، أو تزوير المعلومات، هو من نوع المعلومات المزورة التي مهدت للحرب على العراق، إلا ان الكارثة هذه المرة ستصيب الجميع لا بلداً واحداً.