تصاعدت أمس ردود الفعل على تصريحات البابا بنديكتوس السادس عشر عن الاسلام، وتراوحت بين تظاهرات استنكار في مصر والهند وباكستان، وبين مواقف وتصريحات منددة في سورية ولبنانوالاردنوالعراق ودول عربية واسلامية اخرى. ففي دمشق، هاجم خطباء المساجد تصريحات البابا ودعوه إلى الاعتذار من المسلمين"حتى لا تجر الاطراف إلى ما لا تحمد عقباه"، فيما طلب مفتي سورية الدكتور احمد بدر الدين حسون من البابا تقديم توضيح حول ما نسب اليه متوقعاً"ان يكون الكلام المنسوب اليه غير صحيح". واشار الخطباء إلى العيش المشترك المتميز بين المسلمين والمسيحيين في سورية، وابدوا تفاجؤهم بتصريحات البابا وقالوا :"كنا ننتظر منه موقفا منصفا يؤكد وجوب احترام الاديان ورموزها ومقاساتها الا انه لم يفعل ولم يطلق أي مبادرة لاستمرار الحوار مع المسلمين كما فعل سلفه". إلى ذلك بعث حسون رسالة إلى البابا عبر السفارة البابوية بدمشق طلب منه استيضاح ما نسب اليه من كلام يثير اشكالات فكرية وثقافية ودينية بين أتباع الشرائع السماوية. ونقلت"وكالة الانباء السورية"عن المفتي قوله في الرسالة :"اننا نتوقع ان يكون ما نسب لقداستكم غير صحيح ونأمل في ان نكون جميعاً متعاونين على نشر قيم السماء التي تدعو الى التآف والتعارف والتعاون وان يكون الفاتيكان مصدرا للسلام العالمي كما الاسلام مصدر للسلام والمحبة والخير". وفي بيروت، استدعى رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة سفير لبنان لدى الفاتيكان لاستيضاحه حقيقة تصريح البابا. وحضر الى السرايا الحكومية القائم بالاعمال فيسفالداس كولبوكاس الذي صرح ان البابا"لم يقصد أي عداء تجاه أي طرف او جهة ولكنه تحدث عن الواقع المسيحي". واشار الى ان النقاش مع السنيورة"سيتواصل بهدف توضيح وجهات النظر والعمل المشترك الذي يمكن ان يقوم بين المسلمين والمسيحيين". وتخللت خطب الجمعة ردود لرجال الدين، ورأى مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني"ان اتهام الإسلام بعدم إعمال العقل في شؤون الدين والحياة وان الإسلام يدعو إلى نشر الدين بالسيف مغاير لحقيقة الإسلام، وهو صادر إما عن جهل بالاسلام وعدم معرفة بحقيقته وتعاليمه، أو عن قصد في تشويهه لصرف الناس عن تعاليمه السامية لأن العقل هو جوهر الإسلام وتعاليمه في مصدريه الأساسيين وهما القرآن والسنة". وقال نائب المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان"اننا لا نعتب على الجاهل وانما على من كان في مرتبة عالية من الفهم فلا يحكم احد بالظن وباراء بعض المستشرقين"، واضاف:"ان الجهاد عندنا له اصول ومراتب وشروط وقيود، ونطالب بمراجعة صحيحة للاسلام ومبادئه". واستنكر المرجع الديني العلامة محمد حسين فضل الله تصريحات البابا وطالبه بالاعتذار شخصيا. وقال فضل الله في خطبة الجمعة في مسجد الحسنين في حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية:"اننا لا نقبل اعتذار مصادر الفاتيكان... ونطلب منه ان يقدم الاعتذار شخصيا للمسلمين على هذه القراءة الخاطئة التي لا نريد لموقعه الديني ان يقدمها للعالم". ودعا"الى علاقات اسلامية - مسيحية عالمية مرتكزة على الفهم العلمي العميق لوجهة النظر المتبادلة بعيدا عن كل كلمات الاثارة". وعلق النائب السابق ايلي الفرزلي على كلام البابا بالقول:"ان الاستشهاد بهذا الامبراطور البيزنطي لم يؤد الغاية التي شاءها كما اعتقد البابا لجهة نشر ثقافة اللاعنف وثقافة السلام". ولفت الى انه"يجب ان يكون معلوما للجميع، ولا شك ان بعض دوائر الفاتيكان تعلم ان مسيحيي الشرق ساعدوا الفتوحات العربية والاسلامية، وهذه الشام وباب دمشق شاهدة على ذلك لكي تنتشر الفتوحات هذه تخلصا من الجور البيزنطي، والظلم الذي لحق بالمسيحيين بالتحديد في هذه المنطقة". وتابع الفرزلي:"ان الاسلام بثقافته لم يكن الا ثقافة عدالة ورحمة وانسانية، ونأمل ان يصار الى توضيح ذلك كي لا يستثمر كلام الامبراطور من قبل بعض الدعوات الغربية التي تتحدث عن فاشية الاسلام تحقيقا لأهداف سياسية لا علاقة للدين فيها". وفي عمان، اعتبر الاردن تصريحات البابا"مسيئة للغاية ومرفوضة"وطالب الفاتيكان"بتحديد موقفه من هذه التصريحات وبشكل فوري". ونقلت وكالة الانباء الاردنية الرسمية بترا عن وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية عبدالفتاح صلاح قوله"نحن نعتقد ان هذه التصريحات تعتبر مسيئة للغاية ومرفوضة". واضاف اننا"نستغرب كل الاستغراب أنها تأتي بعد مرحلة تم فيها الكثير من الانجاز في مجال تعزيز حوار الاديان ابان حياة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني والذي يؤمن مثلنا بضرورة التعايش السلمي بين الديانات والحوار في ما بيننا". واكد الوزير الاردني ان"الفاتيكان مطالب وبشكل فوري بتحديد موقفه من هذه التصريحات ومضمونها والاشارات السلبية وغير المفيدة التي وردت فيها". واوضح ان"الاردن كان من الرواد الاوائل في ترسيخ مفهوم حوار الاديان قولا وفعلا وان الاردن كان وما زال يؤكد على ضرورة التعايش السلمي بين اتباع الديانات وان هذه هي المرتكزات التي استندت اليها رسالة عمان التى اكدت على احترام الآخر وقبوله وعلى المبادئ الراسخة التي يؤكد عليها الدين الاسلامي الحنيف بالدعوة الى الحوار والتواصل". وحذر حزب"جبهة العمل الاسلامي"من أن تصريحات البابا بنديكتوس السادس عشر بخصوص الاسلام من شأنها أن توسع الهوة بين المسلمين والغرب وأنها كشفت للمسلمين عن كراهية عميقة لهم. وقال الشيخ حمزة منصور الذي يرأس مجلس شورى الحزب ان الاعتذار الشخصي فقط هو ما يمكن ان يعالج ما وصفها بالاهانة البالغة التي سببتها التصريحات الاستفزازية للبابا لأكثر من مليار مسلم. وفي العراق، استنكر أئمة المساجد خلال خطب الجمعة"تطاول"البابا بنديكتوس السادس عشر على الاسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم وطالب احدهم الدول الاسلامية ب"طرد"سفراء الفاتيكان في حين دعا آخر الله الى"اذلال"البابا. ففي بغداد، طالب الشيخ محمود العيساوي امام الحضرة القادرية مسجد عبدالقادر الكيلاني الدول الاسلامية ب"طرد سفراء الفاتيكان وعدم التهاون مع امر كهذا". وعبر عن"الاستهجان"حيال خطاب البابا واعتبره"تطاولا على المسلمين". ومن جهته، قال الشيخ طه العبيدي امام مسجد منذر الشاوي في منطقة الصالحية"سمعنا البارحة كلاما يساء فيه لرسولنا ... لا نستطيع ان نأمل في العقلاء من الاديان الاخرى وخصوصا اهل الكتاب. لا نأمن من عاقبتهم ولا من جانبهم ولا نأمن من صاحب الديانة منهم". ودعا الله ان"ترينا آية من عندك تذله بها وتقعده بها يا رب". وفي الموصل، انتقد الشيخ محمد عبدالرحمن جار الله امام مسجد الرحمن الواقع في حي النور وسط المدينة، تصريحات البابا قائلا"كلما تقدم الاسلام وانتشر في بلادهم كلما خرجوا لنا بكلام يتهجمون فيه على الاسلام وينتقدونه". واضاف ان"الاسلام دين تسامح ... يدل ذلك على عدم معرفته بالاسلام بشكل دقيق". واعرب امام مسجد الكاظمية شمال الشيخ حازم الاعرجي عن"استنكاره"للتصريحات ووصفها بانها"تجاوز على شخصية الرسول". ورأت هيئة علماء المسلمين، وهي من ابرز مراجع العرب السنة العراقيين، في"الخطاب اساءة كبيرة لمشاعر المسلمين ويتضمن، من حيث شعر البابا او لم يشعر، تحريضا على الارهاب بحقهم من قبل مؤسسة دينية عالمية تعلن دائما انها تدعم السلام". واعتبرت الهيئة في بيان"ان شخصا في مثل مقامه الديني لا ينبغي له ان يطلق تصريحات يمكن استغلالها لسفك مزيد من دماء الابرياء رجالا ونساء وشيوخا واطفالا". واضافت"فما دام النبي محمد، وحسب استشهاد البابا بنص سابق، لم يأت الا بأشياء شريرة وغير إنسانية، يكون ثمة مبرر ديني لجنود الحملة الصليبية التي يقودها الرئيس جورج بوش لأن يعملوا قتلا وفتكا بشعوب تتبع هذا النبي". واعربت الهيئة عن"اسفها لهذه التصريحات في هذا الوقت المتأزم بسبب غزو بعض دول الغرب لدول اسلامية، وتدعو البابا لإيضاح الغرض من هذا الخطاب بما يقطع على المغرضين إلحاق الاذى بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين في العالم". واصدر رؤساء الطوائف المسيحية الشرقية الأرثوذكسية في العراق بيانا امس اعربوا فيه عن حزن الطوائف المسيحية الشرقية لما ورد على لسان البابا من امثلة حول الاسلام، وقالوا:"نحن رؤساء الطوائف المسيحية الشرقية الأرثوذكسية في العراق، أحزننا وآلمنا ما ورد على لسان بابا الفاتيكان الرئيس الأعلى للكنيسة الكاثوليكية من أمثلة حول الإسلام، فإننا لا نرضى بما تضمنه كلامه من تجاوز على الشعور الديني لأخوتنا المسلمين". ودعا البيان"جميع العقلاء والحكماء والمؤمنين إلى ضبط النفس والتعاون معنا لمعالجة الأزمة، مطالبين الفاتيكان بتفسير وإيضاح للأمثلة الصادرة عن البابا وبالسرعة الممكنة". وفي غزة، دان رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية تصريحات البابا مطالباً الحبر الاعظم ب"التوقف عن المس"بالديانة الاسلامية. وقال هنية للصحافيين"باسم الشعب الفلسطيني اعبر عن تنديدنا واستنكارنا التصريحات التي صدرت عن سيادة البابا حول الاسلام كعقيدة وشريعة". وطالب البابا بأن"يعيد النظر في هذه التصريحات ويتوقف عن المس بالديانة الاسلامية التي يعتنقها مليار ونصف المليار مسلم في العالم"، معتبرا ان تصريحات الحبر الاعظم"جافت الحقيقة ومست جوهر العقيدة واساءت الى التاريخ الاسلامي". من جهة ثانية، قال شهود ان اضرارا طفيفة لحقت بمركز للشباب تديره كنيسة الروم الارثوذكس في قطاع غزة بسبب انفجار صغير امس. ولم يتضح ما اذا كان لهذا الانفجار صلة بتصريحات البابا. واستهدف الانفجار الذي وقع عند بزوغ الشمس مركز شبان الكنيسة في مدينة غزة. وحطم الانفجار الابواب والزجاج. ولم تلحق اضرار بالكنيسة نفسها كما لم تقع اصابات. وفي طهران، وصف رجل الدين الايراني البارز أحمد خاتمي تصريحات البابا بأنها"سخيفة"وقال انها أظهرت أنه لا يعلم كثيراً عن الاسلام. واضاف خاتمي في خطبة الجمعة بجامعة طهران التي بثتها الاذاعة الرسمية مباشرة"من المؤسف ان يكون زعيم المسيحيين بهذا الجهل وقلة الادب". واضاف ان"المسلمين في العالم سيردون كما يجب على هذه الاقوال التي تنم عن خفة عقل"، داعياً من يجهل الاسلام الى"تعلمه". وأضاف"ان من المؤسف للغاية أيضا أن معلومات الزعيم الديني للمسيحيين عن الاسلام ضئيلة الى هذا الحد ويتحدث عنه بشكل مخز". وفي نيودلهي، رأت اللجنة الوطنية للاقليات ان تصريحات البابا تشبه الدعوة التي اطلقت الى"الحملات الصليبية في القرون الوسطى"، وقال رئيس اللجنة حميد الانصاري ان"الكلمات التي استخدمها البابا مثل تلك التي استخدمها اسلافه في القرون الوسطى لشن الحملات الصليبية". وانتقدت جمعية للمسلمين ايضا تصريحات الحبر الاعظم معتبرة انها"ليست سوى تجديف"، داعية المسلمين في الوقت نفسه الى"الاعتدال وضبط النفس". وفي اسلام اباد، اعتمد البرلمان الباكستاني قرارا يطلب من البابا"سحب تصريحاته"التي تربط الاسلام بالعنف، في حين نددت وزارة الخارجية بما سمته"جهل"الحبر الاعظم في ما يتعلق بالديانة الاسلامية. وجاء في القرار الذي اقرته الجمعية الوطنية الباكستانية بالاجماع ان"الملاحظات السلبية التي ابداها البابا حول فلسفة الجهاد والنبي محمد جرحت مشاعر العالم الاسلامي وتمثل خطر حصول جفاء بين الديانات". واضاف النص الذي كان اقترحه نائب اسلامي ان"هذه الجمعية تطلب من البابا سحب تصريحاته لما في ذلك مصلحة الوفاق بين الديانات". من جهتها، اعتبرت وزارة الخارجية الباكستانية ان تصريحات البابا"مؤسفة"ونددت بما سمته"جهل"الحبر الاعظم في ما يتعلق بالديانة الاسلامية. وقالت الناطقة باسم الوزارة تسنيم اسلام ان"اي شخص يقول ان الاسلام يشتمل على امر سيئ او غير انساني يظهر جهله في ما يتعلق بهذه الديانة الكبيرة". واضافت ان مثل هذه التصريحات"مؤسفة"و"من شأنها ان تزيد الشرخ بين الديانات الذي نحاول جاهدا الحد منه". وفي روما، اعتبر عالم اجتماع الديانات الايطالي رينزو غويلو في صحيفة"لا ريبوبليكا"انه"عبر الكلام عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والسور القرآنية، خرق البابا بنديكتوس السادس عشر احد المحرمات". ورأى انه"يمكن للديانات ان تتبادل الآراء حول الاخلاق والسلام والعائلة ومواجهة العلمانية، بيد انه لا يمكن لمسؤولين دينيين ان يتناولوا المعتقدات التأسيسية او الكتب المقدسة"لدين آخر تحت طائلة"اثارة رد فعل فوري"من اتباعه. واعتبر غويلو ان كلام البابا استند الى معارضته"النسبية الدينية"التي تعتبر ان كل الديانات متساوية من حيث الجوهر نتيجة اقتناعه بأن المسيحية وحدها"دين الحقيقة المطلقة". وفي برلين، انتقد عدد من المسوؤلين الألمان والمسلمين تصريحات البابا بنديكتوس السادس عشر. ورفض الناطق الرسمي باسم الحكومة الألمانية أولريش فيلهلم تقويم خطاب البابا لكنه شدد على أن حكومته ترى ضرورة التعايش المشترك بين مختلف الديانات. وقال فيلهلم رداً على سؤال ل"الحياة"إنه لا يرى نفسه في موقع تقويم تصريحات البابا، وإنما التحدث عن خطوات الحكومة الألمانية ونشاطاتها المتعددة لتعزيز الحوار مع المسلمين في بلدها، وقال:"تصر الحكومة دائما على ان يكون لدينا عيش مشترك مع الديانات المختلفة، لذا فان الحوار بين الأديان ضروري وجزء مهم من حوار الحضارات، إنما من دون عنف ودعوات لاستخدام العنف". وانتقد أمين سر الكتلة النيابية لحزب الخضر فولكر بك كلام البابا محذراً من وضع الدين المسيحي فوق الأديان الأخرى من خلال بعض النصوص المجتزأة. وعبر رئيس المجلس الإسلامي في ألمانيا علي كازيلكايا عن استغرابه الشديد للتصريحات قائلا إنها"لا تشكل مساهمة إيجابية".