توقيت حادث الاعتداء على السفارة الاميركية في دمشق ليس صدفة، ويمكن النظر اليه كاسلوب جديد في احياء ذكرى هجمات 11 ايلول سبتمبر، وان شئت فهو نتيجة طبيعية لحرب واشنطن على مايسمى"الارهاب"، ويمكن استطراداً القول ان ماحدث في العاصمة السورية يوم امس كان نتيجة متوقعة للسياسية الاميركية المنحازة في منطقة الشرق الاوسط. فالحادث عبر عن حال الاحتقان والغضب ضد واشنطن، بعد موقفها غير الانساني من الحرب على لبنان، ورفضها كل التوسلات بوقف حرب كافرة على مدى 34 يوماً ذهب ضحيتها مئات المدنيين الابرياء، فضلاً عن تدمير بنية بلد بأكمله. إن أهمية حادث السفارة انه ربما شكل بداية لاحداث مماثلة في غير بلد عربي واسلامي، فالسفارات الاميركية والغربية في المنطقة مرشحة لتصبح اهدافاً محتملة في حرب"النضال من اجل الحضارة"بحسب وصف الرئيس جورج بوش للعنف الذي تقودة أميركا تحت شعار محاربة"الارهاب". فحادث دمشق لا يمكن فصلة عن الحرب على لبنان، والاحداث في العراق، واعلان أميركا عن وجود سجون سرية لاحتجاز ناشطين اسلاميين في بعض الدول الاوروبية، فضلاً عن وحشية سجني غوانتنامو وابو غريب، وصولاً الى مايجري في افغانستان. لكن على رغم خطورة الاعتداء الا انه قد لا يكون مزعجاً للادارة الاميركية، فحادث السفارة جاء ليؤكد ما قاله الرئيس بوش من ان الحرب على الارهاب"لم تنته ولن تنتهي ما لم نخرج منها نحن او المتطرفون منتصرين". وبهذا المعنى صار الحادث هدية لا تقدر بثمن لصقور البيت الابيض. يمكن ايضا قراءة هذا الحادث الارهابي من زاوية اعلامية. فهو في رأي بعضهم رد فعل غاضب على معالجة وسائل الاعلام العربية للذكرى الخامسة للكارثة، فوسائل الاعلام العربية كررت الاسطوانة ذاتها التي نشرت في الذكرى الاولى، وجرى ترديدها منذ ذلك الوقت مع حلول المناسبة من دون حذف او اضافة او تغيير، ودون مراعاة لاختلاف مواقع الظالم والمظلوم. لكن هذه الاسطوانة التي قبلت، وربما جرى التعاطف مع مضمونها في الذكرى الاولى، لم تعد تصلح للذكرى الخامسة في نظر كثيرين في العالمين العربي والاسلامي، لسبب بسيط هو ان من كان يبكي في الذكرى الاولى لم يعد كذلك في الذكرى الخامسة. فبعد كل ما جرى في افغانستانوالعراق، وبعدما تجاوز عدد الذين سقطوا في الحرب على ما يسمى الارهاب مئات الآلاف، بحسب الاحصاءات الاميركية، يصعب قبول تلك الاسطوانة المشروخة التي جرى فرضها علينا منذ خمس سنوات، فضلاً عن ان وصف الآخرين بالارهاب وتجاهل الارهاب الذي تمارسه واشنطن في غير بلد، والحديث عن ضحايا البرجين وتجاهل ضحايا المدن والقرى الافغانية والعراقية، والاستمرار في تصديق ان ما يجري"نضال من أجل الحضارة"، بات أمراً يحرض على التطرف والعنف. فأي حضارة هذه التي ستولد من رحم القتل والدمار وتكريس العنصرية والتعصب للاديان والطوائف، واستباحة ثقافات الشعوب ومقدساتها، واستعمار بنيتها السياسية والثقافية، واي ديموقراطية هذه التي تعدنا بها هذه الحرب الحضارية، اذا كانت نماذجها ما يجري في افانستان والعراق والسودان؟ ان حادث السفارة الاميركية في دمشق ليس مؤشراً الى زيف شعار ان العالم اصبح اكثر امناً فحسب بل الى ان الارهاب استعاد لياقتة الاولى، فهاهو يعود الى حرب السفارات كما بدأ، ويختار دمشق لأن استهداف السفارة الاميركية في العاصمة السورية في هذا الوقت يعطي فرصة لاتهامات وتفسيرات ومواجهات لا تنتهي، فيمكن اتهام دمشق مباشرة في ترتيبه، رغم انه ما من دولة تسمح ان يُهز أمنها مهما كانت مكاسبها السياسية من وراء تدبير حادث أمني، ويمكن اتهام دمشق بأنها غير قادرة على لجم الارهابيين وخلق ذرائع لمحاسبتها في شكل جديد أو التدخل في شؤونها الداخلية. والايام القادة ستشهد سابقاً للتحليلات والتفسيرات، وربما ادخل هذا الحادث سورية في منعطف خطر، ما يؤكد ان الحادث غير معزول عماجرى ويجري في لبنان وعلى الحدود السورية اللبنانية، وما يؤكد ايضاً ان هذه الدوامة التي تسمى الارهاب تنتعش وتتجدد بسبب السياسة الاميركية في هذه المنطقة.