عقب تكليف الخارجية الأميركية للجنرال المتقاعد جوزيف رالتسن بملفِّ حزب العمال الكردستاني، وتصريحاته بأن"الحل العسكري هو آخر الحلول في التصدي للحزب الكردستاني"، وتصريحات رئيس إقليم كردستان الفيديرالي مسعود بارزاني حول نضال الشعب الكردي في كردستان تركيا:"إن اتهام نضال الشعب الكردي بالإرهاب لا يخدم مساعي الحل السلمي للقضية"، في إشارة منه لتصريحات المسؤول الأميركي رالتسن المعني بهذه القضية، وغداة تصريحات رئيس جمهورية العراق جلال طالباني في واشنطن، وحديثه لمجلة"نيوز ويك"الأميركية، حول نية حزب العمال الكردستاني الإعلان خلال الأيام القريبة القادمة عن وقف لإطلاق النار من جانب واحد، جاء نداء زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان المعتقل في سجن انفرادي بجزيرة إمرالي في بحر مرمرة، ليسحب البساط من الجيش التركي، الممسك بالقرار السياسي في تركيا. فبعد عزلة مفروضة على أوجلان، منعته من لقاء محاميه لمدة تجاوزت 20 يوماً، سمحت السلطات التركية له بأن يلتقي به يوم الأربعاء 27/9/2006. وخلال هذا اللقاء، أطلق أوجلان نداءه الأخير الذي يدعو فيه حزب العمال الكردستاني الى وقف إطلاق نار جديد، إفساحاً في المجال أمام الجهود السلمية الداخلية والخارجية المتزايدة لحل القضية الكردية في تركيا. ونقل محامو أوجلان عنه دعوته لحزب العمال الكردستاني الى إعلان وقف جديد لإطلاق النار، حيث قال:"ان من شأن ذلك أن يؤدي إلى نتائج إيجابية. وقد يفتح الطريق أمام الحل الديموقراطي عن طريق الحوار والتفاوض، بدل العنف والعمليات العسكرية التي لن تؤدي لأية نتيجة". وذكرَّ أوجلان الرأي العام بقرار حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار لأول مرَّة سنة 1993، وما تلا تلك الخطوة من نداءات أخرى كررها الطرف الكردي بغية وقف اطلاق النار كأساس وبداية لحل القضية الكردية، بعيداً عن العنف. وأسف لفشل تلك الجهود في عدم تحقيق النتائج المرجوَّة، جراء سياسة الإنكار التركية والإصرار على الحل العسكري، قائلاً:"إننا، ومنذ عشر سنين خلت، على قناعة بأن الكفاح المسلح يمكن أن يحقق بعض الخطوات والإنجازات، ولكن من الصعب أن يحقق حلاً نهائياً ودائماً للقضية الكردية. فأكثر ما يمكن تحقيقه عن طريق العنف هو انهيار الدولة، والدولة المنهارة ستلحق الضرر بالأكراد والأتراك على حد سواء". وعبَّر أوجلان عن ثقته بأهمية استجابة حزبه لندائه قائلاً:"أنا على ثقة بأن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى نتائج إيجابية. في حال استجابة الدولة التركية لها والعمل على الحل الديموقراطي للقضية الكردية في البلاد، فإن تركيا ستصبح عندئذ مثالاً للديموقراطية، يحتذى به في الشرق الأوسط. والحل الديموقراطي السلمي هو الكفيل بالحفاظ على وحدة شعبنا وتطور الثقافة الديموقراطية في منطقتنا". وأردف أوجلان:"إن مرحلة وقف إطلاق النار قد تشهد محاولات جدية لإفشالها، كما حصل في الماضي. لا أعتقد بأن هذه المحاولات سوف تأتي من طرف حزب العمال. ولكن إذا حدث شيء من هذا القبيل، فيجب أن يتم احتواؤه بسرعة وحكمة". ودعا حزب العمال الكردستاني للدفاع عن نفسه، في إطار حق الدفاع المشروع، قائلاً:"سبق وأن كررت مراراً أن هذا حق مشروع ومقدس للطرف الكردي، حين تعرضه لهجمات تستهدف القضاء عليه". كما دعا أوجلان جميع الأطراف الى التحلي بالمسؤولية:"ليعلم الجميع بأن قرار وقف إطلاق النار لم يأت من ضعف، كما يحلو للبعض تفسيره، ولكنه آتٍ من حس بالمسؤولية والرغبة في السلام وحل القضية الكردية بالطرق الديموقراطية". وناشد أوجلان كل الأحزاب السياسية والمؤسسات المعنية والقوى الديموقراطية وقوى المجتمع المدني والصحافيين والإعلاميين لتفعيل دورهم لإنجاح مساعي السلام والحل الديموقراطي:"البلاد بحاجة للسلام وحل القضية الكردية، والاكراد جادون في مساعيهم من أجل الحل والعمل على تطوير الدولة وتقدمها على الصعد كافة، وذلك بعد الإقرار بحقوقهم القومية المشروعة". وكرر أوجلان دعوته القوى السياسية في كردستان العراق والاتحاد الأوروبي لدعم هذه الخطوة، والعمل على إنجاحها بكل ما اوتوا من قوة. مُحذِّراً من أنه في حال فشلها، فإنه لا يستطيع القيام بأي شيء، كما أن حزب العمال الكردستاني لن يستمع إليه، والوضع سوف يتجه الى مزيد من التصعيد والتأزم والحرب، والمواجهات ستتسع بشكل كبير. مُعتبراً وقف إطلاق النار، فرصة ثمينة لتحقيق السلام، ووضع نهاية للعنف والحرب المستعرة. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الجنرال رالتسن، وعقب الإشارة إلى نية حزب العمال الإعلان عن وقف إطلاق النار صرَّح:"ان هكذا خطوة ستساهم في خدمة مساعينا". وعلى ضوء ما سبق، باتت الكرة الآن في الملعب التركي، وحجم الضغوط سيزداد على تركيا، خاصة أن حل القضية الكردية فيها صار شرطاً أوروبياً لنيل العضوية في الاتحاد الأوروبي. فضلاً عن نيَّة الإدارة الأميركية طي ملف حزب العمال الكردستاني سلميَّاً، خلافاً للعادة الأميركية التي كانت تتعاطى مع الشأن الكردي بمعايير مزدوجة. بمعنى، أكراد العراق مضطهدون وبحاجة لعون ومساندة، وأكراد تركيا"إرهابيون"ينبغي مساعدة تركيا على قمعهم وسحقهم بالحديد والنار. وإن لم تتعاطَ تركيا بعقلانية مع نداء أوجلان، فستكون ضربية ذلك كبيرة على علاقات تركيا أوروبياً وأميركياً. علاوة على حصول المقاومة الكردية على الشرعية الدولية، وانتفاء صفة"الإرهاب"عنها. هذه الصفة التي أطلقها الأميركيون والأوروبيون على المقاومة الكردية في تركيا، تأميناً للغطاء السياسي لقمع الأكراد. وعليه، قد يتَّجه الدعم الأميركي والأوروبي لتركيا في حربها ضد حزب العمال، إلى دعم الأخير في مقاومته لإرهاب الدولة الذي تمارسه تركيا بحق الأكراد. ما من شأنه أن يدخل تركيا في دوامة عنف، تعيدها عشرات السنين للوراء، وتدخل جنرالات الحرب والمؤسسة العسكرية في تركيا مكان النظام العراقي المخلوع. مآل القول: إن الزعيم الكردي أوجلان مازال متحكِّماً بأهم مفاتيح مستقبل تركيا، حتى وهو رهن الاعتقال الانفرادي، في جزيرة معزولة. * كاتب كردي