يعود تاريخ البصل الى عصور قديمة، فالفراعنة رفعوه الى درجة التقديس، ولذا خلدوا اسمه في كتابات على جدران الاهرامات والمعابد وأوراق البردى، وكانوا يضعونه مع الجثث المحنطة لظنهم بأنه ينبهها ويساعدها على استئناف الحياة مجدداً. وقد وصف الاطباء الفراعنة البصل كمقو للعمال الذين ساهموا في بناء الاهرامات. واليونانيون ايضاً اهتموا بالبصل وأوصى أطباؤهم باستعماله ضد بعض الأمراض. وقد أثيرت اعتقادات كثيرة حول البصل من أهمها تلك التي نوهت الى أهمية قشره في رصد التوقعات حول الطقس، فعندما تكون هذه القشرة المحيطة بالبصلة عديدة ورقيقة وشفافة، فهذا ينذر بشتاء قارس. في العام 1864، وخلال الحرب الانفصالية الأميركية، اصيب أحد الجنود الاتحاديين بداء الزحار، فتوجه قائده الى وزير الدفاع قائلاً: لن أحرك جيشي قيد أنملة ما لم تزودوني بالبصل. وفي اليوم التالي كانت ثلاث حافلات مدججة بالبصل تشق طريقها لتلبية طلب القائد العسكري. لقد أشاد الاطباء القدامى فوصفوه نيئاً ومطبوخاً، وقالوا عنه انه نافع في الكثير من الاوصاب، فهو يقوي المعدة، ويثير الرغبة الجنسية لدى الرجال، ويليّن المعدة، ويطرد البلغم ويفتح المجاري التنفسية، ويشفي من داء الثعلبة، ونافع لوجع الظهر والورك، واذا خُلط ماء البصل مع العسل فإنه يعطي مزيجاً نافعاً للعين، واذا قطّر في الاذن أفاد في معالجة الطنين وسيلان القيح. يحتوي البصل على عشرات المركبات المعقدة القادرة على مكافحة العديد من الامراض وعلاجها، بدءاً بالربو مروراً بالامراض القلبية الوعائية وانتهاء بالضغط الشرياني والسرطان. والبصل مفيد للقلب، ففي دراسة أجريت في هولندا لاحظ الباحثون ان نسبة الوفيات بالامراض القلبية هي اقل بثلاث مرات عند الاشخاص الذين يدعمون وجباتهم بالبصل مقارنة مع آخرين لا يأكلون البصل الا نادراً، عزا العلماء ذلك الى قدرة البصل على خفض الكولسترول السيء وتمييع الدم، أما السر فيكمن في مركبات الفلافونيدات التي يعج بها البصل، فهذه المواد تعمل على قنص المركبات الكيماوية التي لا هم لها سوى زرع الدمار. وقد استطاع الباحثون المهتمون بخفايا البصل، ان يبينوا ان واحداً من مركبات الفلافونيدا المسمى بپ"كيرسيتين"هو الذي له الكلمة الاولى في وقاية القلب والشرايين، وذلك من خلال خفضه للكولسترول في الدم، ومنعه من تكدس الصفيحات الدموية والتصاقها بالشرايين للحيلولة دون تكوّن الجلطات التي تعتبر اصل البلية في الكثير من الازمات القلبية والدماغية. والبصل يحتوي ايضاً على مركبات كبريتية هي التي تجعلنا نزرف الدموع عند فرمه، وتفيد هذه المكونات في رفع الكولسترول الجيد الواقي للشرايين، ومن تقليل نسبة الشحوم الضارة في الدم، وفي الوقاية من ارتفاع الضغط الشرياني. والبصل يقي من السرطانات، خصوصاً تلك التي تضرب الانبوب الهضمي، وفي اطار دراسة شملت اكثر من 120 ألف شخص لوحظ ان اولئك الذين يأكلون البصل يومياً هم أقل عرضة لزيارة سرطان المعدة وسرطان القولون لهم. ويحتوي البصل على مواد مدرة للبول والصفراء الى جانب مواد مليّنة وأخرى مقوية للاعصاب. وتوجد في البصل مادة"غلوكونين"المعادلة بفعلها فعل هرمون الأنسولين على سكر الدم. كما توجد في البصل خمائر لها خواص مدرة، ولهذا ينصح بالبصل في حالات تشمع الكبد وتورم الساقين وانتفاخ البطن وانصباب الرئة. لكن عيب هذه الخمائر أنها تتخرب بالحرارة ولهذا يفضل اكل البصل نيئاً. وفي الختام، ان للبصل منافع وفوائد قلما نجدها مجتمعة في غذاء آخر، لذلك من الحكمة أكله يومياً، واذا كان بعضهم يتهرب منه بسبب رائحته، فبالامكان الخلاص من هذه الرائحة بتناول البقدونس الاخضر، او بأخذ حبوب خلاصة الكلوروفيل المركزة كل ثماني ساعات. ولاخذ العلم، فإنه ليس ضرورياً ان نأكل كميات كبيرة من البصل لحصاد منافعه، بل يكفي أكل بصلة متوسطة لنيل المطلوب.