بحسب التصريحات التي أطلقها"ستانلي فيشر"محافظ"بنك اسرائيل"، فإن الكيان العبري يتكبد يومياً خسائر تقدر ب 200 مليون دولار. وهذه الخسائر تشمل بالطبع الخسائر المباشرة وغير المباشرة مثل الدخل الضائع بسبب تعطل الآلة الانتاجية. وبمعنى آخر، اذا استمرت الحرب شهراً، فإن مجمل الخسارة سيبلغ في حدود 6 بلايين دولار. وبالطبع، فإن اسرائيل ستطالب الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول الحليفة لها، والمستفيدة من عدوانها بتسديد تلك الفاتورة إما على شكل مساعدات مباشرة، أو على شكل كفالات لقروض لا تقوم اسرائيل بتسديدها على الأرجح. وفي المقابل، فإن خسارة لبنان وشعبه أكبر من ذلك، بسبب حجم الدمار الشامل الذي جرى، وبسبب الحصار الذي تفرضه القوات الاسرائيلية على لبنان براً وبحراً وجواً. وقد قدرت الخسائر اللبنانية المباشرة حتى الآن بأكثر من بليوني دولار، والذي قد يكون أقل من الكلفة الفعلية المطلوبة ولتمويل إعادة البناء. واذا اضفنا الخسائر غير المباشرة، فإن كلفة لبنان لن تقل عن خمسة الى ستة بلايين دولار. والسؤال الكبير الذي سيأتي هو العمل على وضع الصيغ المالية والقانونية المطلوبة من أجل تقديم المطالبات للجهات المسؤولة عن تلك الخسائر الجمة. فمن الواضح أن التصريحات الصادرة عن مسؤوليين اسرائيليين تأخذ هذا الأمر في الاعتبار حين تُحمل لبنان و"حزب الله"تحديداً مسؤولية بدء المعارك. ولكن هذا الادعاء الاسرائيلي ليس كافياً لإبطال مفعول الاتهام الموجه لها بالمبالغة في الرد، واستهداف المدنيين والبنى التحتية، وتدمير المنازل. واذا تمعنا في تصريحات الأمين العام ل"حزب الله"السيد حسن نصرالله، لرأينا أنه كان حريصاً على تجنب الحرب منذ البداية، وأنه أبدى استعداده بعد خطف الجنديين الاسرائيليين للدخول في مفاوضات غير مباشرة لاستبادل الاسرى اللبنانيين بهذين الجنديين. وكذلك، فإنه كان يقول ان عمليات الصواريخ التي يطلقها جنود"حزب الله"على اسرائيل كان رد فعل وليس فعلاً. لذلك، فإن تكييف الموقف القانوني المطالب إسرائيل بدفع تعويضات الى لبنان يجب ان يستند الى إعداد كل الأوراق والتفاصيل والتصريحات، لأنها كلها ستشكل شهادات على قانونية المطلب اللبناني بحق التعويض من اسرائيل. وهنا يجب أن نتذكر أن اسرائيل لن تستجيب مثل هذه المطالب على الاطلاق، وستسعى الى رفضها من حيث المبدأ حتى لا يفتح هذا عليها باباً واسعاً من المطالب الكثيرة والمستحقة للفلسطينيين عليها، بخاصة تلك المآسي والمجازر المروعة التي ترتكبها يومياً بحق الفلسطينيين تحت شعار الحرب الدائرة على لبنان. وكذلك، فإن وجد الاسرائيليون أنفسهم أمام وضع يضطرهم الى الدفاع عن أنفسهم في عدم التزامهم بأي تعويضات، فإنهم سيقومون بإعداد قوائم ومطالبات لتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم من الحرب الدائرة الآن ضد لبنان. ولذلك، فإن نجاح المساعي اللبنانية في ايجاد المنبر الصحيح، والجهة ذات الاختصاص لمقاضاة اسرائيل، فإن عليهم أن يجهزوا أيضاً المواقف القانونية التي لا تجعل نتيجة تلك القضية عملية"مقاصة"بين الخسائر اللبنانية والخسائر الاسرائيلية. لا شك أن مَن نجح في دفع الجماهيرية العظمى للاعتراف بمسؤوليتها عنحادثة"لوكربي"وتغريمها تعويضات لأهالي ضحايا الطائرة المنكوبة، قادر على أن يقدم بالقياس على تفهم المطالب اللبنانية على اسرائيل. ولا شك في أن رئيس الوزراء اللبناني السيد فؤاد السنيورة، والذي طالب اسرائيل بدفع كلفة الخسائر اللبنانية، يعي بحكم تجربته وتخصصه، أهمية صياغة هذه المطالبة على كيان عدواني، ويثق دائماً بقدرته على التخلص من مسؤوليات سلوكه الخارج عن القانون. فالمطالبة بالتعويض ليست مجرد موقف سياسي عاطفي، ولا مجرد كلام اعلامي، بل هو ملف دقيق حساس، وأهم من ذلك انه ينطوي على درجة عالية من المهنية والقدرة على تكييف المواقف القانونية ببراعة. وسيجد الاسرائيليون أنفسهم أمام مأزق صعب، بخاصة أن اعلامهم ما لبث يؤكد أن خسائرهم محدودة، وان قدرة وسائل الاعلام في الوصول الى المعلومات الصحيحة عن حجم الخسائر بقيت طي التكتيم والتعتيم. وحتى لو لم يكن الظرف الدولي حالياً مساعداً على متابعة موضوع التعويضات بسبب الرفض الأميركي وضغوطه، فإن زمن المطالبة بالتعويضات طويل، وإن بناء الملف الصحيح يبقي هذا الموضوع حياً حتى يحين أوانه. وهذه بالأساس لعبة برع الاسرائيليون فيها كما تبدى من تعويضات الحرب لهم من المانيا والتي لا تزال تغرّم المانيا مبالغ كبيرة حتى بعد 50 سنة على انهاء الحرب العالمية الثانية، ومطالباتهم بالذهب الذي أخذ من اليهود الاسرى وأودع في حسابات سويسرية. ان القضية ليست تعويضاً فقط عن أرواح الشهداء، ولكنها فتح ملف رادع أمام العدوان المستمر لاسرائيل على الدول العربية. * خبير اقتصادي ، "البصيرة للاستشارات"