يروى ان بعض ممثلي اصحاب المصارف الاميركية سألوا مرة راوول كاسترو عما سيحدث في البلاد بعد موت اخيه فيديل، فأجاب:"من المستحيل معرفة ذلك، اذ من الصعب ان يحل مئة ارنب مكان فيل قدير". وشاء القدر ان يرأس راوول نفسه هؤلاء"الارانب". وعلى رغم الصمت والكتمان في كوبا، فإن المؤشرات تؤكد ان"الكوماندانتي"القائد يعيش اصعب مراحل حياته بعد تعرضه لنزيف ربما لم يكن مقلقاً لو حصل منذ سنوات. فالمريض اليوم يناهز عمره الثمانين ويشكو من امراض عدة نفى نظامه دائماً وجودها، مثل سرطان القولون الذي على ما يبدو خضع لعملية جراحية لاستئصاله في القاهرة اوائل الثمانينات، واللوكيميا التي يتعايش معها و"الباركنسون"الذي عالجه بفاكهة"البابايا"، اضافة الى نشاف في شرايين الرأس. السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ان المرحلة المقبلة في كوبا ستكون فقط النهاية البيولوجية للرئيس او بداية النهاية ل"الكاستروية"ام انها ستكون بداية للمرحلة الانتقالية الى الديموقراطية التي يجب السيطرة على مسيرتها لتكون على طراز ما حصل في اسبانيا بعد فرانكو وتشيلي بعد بينوتشيت، بدل ان تكون مؤلمة كما حصل في العراق وغيره او طويلة الامد، وبالتالي مؤلمة ايضاً كما يحصل في دول اخرى. وبعد نحو ربع قرن من المحاولات الفاشلة لانهاء"حكم الثورة"لم تستطع الولاياتالمتحدة تحقيق اهدافها. الرئيس الاميركي جورج بوش اعطى امس وصفته"الديموقراطية"، مطالباً الشعب بالتمرد على الوضع القائم وتشكيل حكومة انتقالية، واعداً بالدعم. لكن المجتمع الكوبي ينظر الى هذه الوعود بحذر، خصوصاً ان"حلفاء"الاميركيين من المنفيين الكوبيين لا يتمتعون بصدقية، كما ان كوبيي الداخل شاهدوا ما حصل في العراق. كاسترو، شأنه شأن من سبقه من امثاله لم يتحمل التخلي عن الحكم الا مؤقتاً، على رغم تردي صحته، معلناً ان وريثه في الحكم هو شقيقه راوول الذي يمنحه الدستور حق الخلافة. وبعيداً من النعي المبكر ل"الختيار"، فإن المؤشرات تنبئ انه لن يعود الى الحكم هذه المرة بشخصيته النادرة والمميزة وخطاباته الشيّقة التي كان يعترف له بجودتها اعداؤه، بل سيبقى فقط شبحه مسيطراً على آليات السلطة وأجهزتها. رفاقه"القادة"ما زالوا جميعهم على قيد الحياة. فالنظام لم يسقط بعد بل بدأ رأس الهرم بالسقوط. وتقوم كوبا على ثلاث سلطات: الحزب والجيش والسياسيين. خلف كاسترو، شقيقه الاصغر معروف بأنه براغماتي وتختلف الآراء حوله في الداخل والخارج، بين من يصفه بالمعتدل المنفتح ومن يقول انه اكثر تشدداً ولذلك تسلم دائماً وزارة الجيش. والمؤكد انه تسلم اليوم سلطتين وبايعه الحزب الثالثة، وسيحاول المحافظة على ايجابيات"الثورة الكاستروية"و يتخلى عن سلبيات الديكتاتورية ليجد قاسماً مشتركاً مع ما يطالب به الغرب. ربما سيبقى بعيداً من مطالب الادارة الاميركية وسيقترب من المبادئ الاوروبية، خصوصاً الاسبانية منها. فدور اسبانيا مهم جداً بسبب خبرتها غير البعيدة والتقارب الثقافي بين الشعبين وعامل اللغة الذي يجمعهما ووجود سفير لها في"هافانا"من اكبر المفكرين السياسيين اليساريين العصريي العقيدة. واذا لم يخرج"راوول"في تظاهرة في الثالث عشر من الجاري ويخطب فيديل بشعبه من المستشفى من طريق"الفيديو كونفيرانس"، يمكننا ان نقول ان العملية الانتقالية بدأت فعلاً ولو ان الخلافة حصلت على الطريقة الشيوعية ليخلف ابن الخامسة والسبعين، ابن الثمانين.