بعد انتهاء حرب العراق - ايران العام 1989، دعوت الى انشاء تكتل عربي - دولي لإعادة الإعمار في العراق، من منطلق ان هذه العملية الضخمة غير المسبوقة يجب ألا تخضع للاعتبارات العاطفية والشعارات التقليدية النبيلة التي لن تجدي في إنجاح هذه العملية الضخمة ما لم تأخذ في الاعتبار كل الحقائق العملية المستندة الى المعايير الاقتصادية وحسابات الربح والخسارة التي تدفع شركات الإعمار وكبار المقاولين العرب للمساهمة الفعالة في هذه العملية، لا سيما ان ثمة دولاً وشركات عالمية كبرى أخذت تعد حساباتها للفوز بأكبر نصيب من تلك العملية التي لم تتم للأسف بسبب قيام نظام صدام حسين بالعدوان على الكويت الشقيقة. وبالنسبة الى عملية إعادة الإعمار في لبنان، لاحظت ان الحديث يدور حول محور واحد هو مقدار المساعدات المالية التي سوف تقدمها الدول العربية الشقيقة، وبعض الدول الأخرى. لهذا سيكون حديثي في هذه المقالة مركزاً على عملية إعادة الإعمار نفسها والدور الايجابي الذي يجب أن يقوم به رجال الأعمال العرب للمساهمة في هذه العملية الضخمة من منطلق المشاركة التضامنية مع لبنان الشقيق لإقالة عثرته والوقوف معه في هذه المحنة القاسية التي تعرض لها دونما ان نتجاهل أو نتغاضى عن الأهداف المشروعة التي تدفع برجال الأعمال للمشاركة في عملية الإعمار هذه. بعبارة أخرى، ينبغي الفصل بين عملية التمويل وحملة المساعدات الدولية والعربية بوجه خاص، وبين عملية إعادة الإعمار هذه، من حيث التنفيذ والانجاز. فالمهمة الأولى تضطلع بها الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها الدستورية وآليات العمل الحكومي التي اكتسبت خبرة ممتازة خلال السنوات الماضية التي تمت فيها إعادة إعمار لبنان، لا سيما مجلس الانماء والإعمار، رغم بعض القصور الذي شاب عمل هذا المجلس بسبب عدم كفاية الجهاز الاداري والهندسي لمواكبة حجم المساعدات المالية السخية التي قدمتها بعض الدول العربية الشقيقة كالسعودية والكويت والامارات وكذلك مؤسسات التمويل الدولية. ما أدى الى تعثر بعض المشاريع أو اطالة فترة التنفيذ، علاوة على الصعوبات التي واجهها مجلس الانماء والإعمار في إقرار المشاريع أو تجاوز العقبات التي وضعت في طريقه لأسباب طائفية أو تحت ذريعة الانماء المتوازن وهو حق أريد به باطلاً علاوة على تغليب المصالح الخاصة والضيقة والاعتبارات السياسية المتضاربة... وبما اننا إزاء عملية ضخمة من هذا الحجم فالمطلوب ان تقوم الدولة بتطوير آليات العمل هذه بحيث تستطيع مواكبة هذه المسؤولية الكبرى وتوسيع حجم الاطر اللازمة هندسياً وادارياً للقيام بعمليات المسح والتخطيط ومتابعة التنفيذ بكل كفاءة ومثابرة تتطلبها المرحلة. مع الأخذ في الاعتبار كل الجوانب التي ترافق هذه العملية من حيث الأولويات والشكل ومستقبل التوسع وازدياد عدد السكان والحاجة الى المرافق اللازمة للأحياء الجديدة التي ستنشأ على أنقاض ما دمرته الحرب. ولعل التجربة الفريدة التي شهدتها عملية إعادة إعمار الوسط التجاري ووسط بيروت التي تمت في عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري وباشراف مباشر منه، تعد نموذجاً يحتذى به في عملية إعادة إعمار ما هدمته آلة الحرب الاسرائيلية، لا سيما الضاحية الجنوبية وقرى الجنوب ومدنه الكبرى. ونظراً لأهمية وخطورة هذه المهمة فإنه يجب انشاء وزارة مستقلة للإنشاء والتعمير تشرف على هذه العملية وتكون مسؤولة عنها بعيداً عن أي انتماء طائفي أو حزبي، وتحت شعار واحد هو النزاهة والشفافية. الجزء الثاني من مهمة إعادة الإعمار هذه هو عملية التنفيذ، وهو ما عنيته بإنشاء تكتل من المقاولين العرب وشركات البناء يكون مسؤولاً عن التنفيذ وتوزيع المهمات والمسؤوليات بحيث تشترك كل الطاقات العربية جنباً الى جنب مع اخوانهم اللبنانيين، سواء كان ذلك على مستوى الشركات أو الخبراء والفنيين واتحادات المهندسين، وصولاً الى العمال العرب الذين يجب أن تكون مساهمتهم أساس التعبير عن مدى تضامن كل القدرات العربية لإنجاح هذه العملية. كذلك يجب الاستفادة القصوى من المتوافر من المواد الأولية اللازمة للبناء لدى الدول العربية وهي مهمة هذا التكتل المقترح الذي يجب ان يقوم بالتنسيق اللازم لتحقيق هذا الهدف. وكي تنجح هذه الدعوة، لا بد لها ان تكتسي بظلالة من الاثرة والتضحية وتطبيق شعارات التضامن مع الشعب اللبناني الشقيق من هذه المشاركة من دون الوقوع في فخ الاغراء المالي أو الكسب المغالى فيه أو انتهاز الفرص. بهذا فقط، نكون قد ترجمنا كل ما عبرنا عنه خلال فترة العدوان الغاشم أفضل تعبير. نعم... لبنان يستحق منا جميعاً هذه الوقفة من التضامن الذي يعكس مشاعرنا الصادقة ويصون كرامة الشعب اللبناني الكريم. الشعب الأبي الذي صمد في مواجهة العدوان وهو يتطلع الى وقفة صادقة من أشقائه العرب لتجاوز هذه المحنة من دون منّ أو تحقيق مآرب خاصة. معك الله يا لبنان. * السفير السعودي السابق لدى لبنان