تعودت ومنذ فترة طويلة ان ابدأ قراءتي لجريدة"الحياة"من الصفحة الأخيرة. وكنت في الواقع استفيد من"عيون وآذان"السيد جهاد الخازن، خاصة تلك العيون، والأذان التي تلاحق المتصهينين من اليهود وغيرهم، خصوصاً في الولاياتالمتحدة. لم أغير عادتي، خصوصاً في اليوم الأول لوقف إطلاق النار في بلادي لبنان 14 - 8- 2006. بدأ المقال وهم يقتلون العرب والمسلمين... واليهود. من هم؟ هم الغرب المسيحي الذي ليس فيه من المسيحية شيء. هكذا بدأ المقال وربما عبارة ان ليس فيهم من المسيحية شيء هي العبارة الوحيدة في المقال غير المتأثرة بمزيج الغضب والحزن التي اثرت على موضوعية المقال. وبين صلاح الدين والمحرقة سلسلة طويلة من المجازر بين الشعوب والأديان لم يأت المقال على ذكرها. تعود العرب، والمسيحيون خصوصاً، على مقولة الأمة الإسلامية والمقاومة الإسلامية، لكن البعض تنور وتذكر ان العالم العربي يوجد فيه عرب غير مسلمين فتحولت"انكليشه"الى العرب والمسلمين ولكن في الواقع هذا ليس موضوع ردي على السيد جهاد الخازن لأنني أرفض الانزلاق وراء الموضة السائدة في العالم العربي الآتية من المسيحيين الجدد الغربيين والصهاينة. إنني ومنذ اكثر من عشر سنوات لم أكتب في السياسة بل كان تركيزي على الشأن الاقتصادي ولكن في الظروف التي تمر بها بلادي، أرى نفسي مجبراً على إعطاء الرأي الآخر، خصوصاً بعدما اصبح العالم العربي لا يرى العالم إلا من خلال الدين، ولا يرى ما يحدث في هذا العالم إلا من هذا المنطلق... لذا لا بد اولاً من اعادة تعريف المسيحية، اصولها الفكرية، فلسفتها ونظرتها الى العالم. لقد نسي العالم العربي او تناسى ان عيسى ابن مريم الفلسطيني هو قائد اول انتفاضة في فلسطين وأول شهيد في فلسطين على ايدي اليهود، ومنذ اكثر من ألفي سنة جاءهم بفكر يختلف عن فكرهم اختلافاً كلياً وكان أهم ثورة ضد طغيان بني داوود وفكرهم المتحجر وانغلاقهم"المختار". وكان وما زال الثورة الأهم ضد هذا النوع من الفكر القبلي المتقوقع الذي يرفض الآخر ويعتبر مبرر وجود الآخر خدمة شعب الله المختار. جاء المسيح الناصري ابن فلسطين صاحب الحضارة المسيحية التي اخذها الغرب بالطبع، ولكن اليهود عملوا ومنذ اللحظة الأولى على تهويد المسيحية وتحويلها الى خدمتهم وحولوها الى مذاهب وغيروا فلسفتها البسيطة الجبارة، فلسفة العطاء والحب والتسامح والإيمان فلسفة زينون الرواقي، التي تناقض فكر اليهود اليوم وأتت لتناقض فكرهم منذ اكثر من 2000 سنة وما زالت تناقض فكرهم الى يومنا هذا. ربما من المفيد إعادة التذكير بالمجازر التي ارتكبها اليهود والتي بدأت بصلب المسيح وبصلب فكره، وامتدت الى انشاء اسرائيل ودير ياسين من افظعها، والتركيز على لبنان الذي حاول وما زال انشاء دولة لا تتعايش فيها الأديان فحسب بل يحيا فيها شعب متعدد الأديان والمذاهب في دولة تؤمن بالإنسان وبوجوده في بلد نقيض للدول الدينية الموجودة في عالمنا. ان العروبة والعرب واللغة والثوارت القومية العربية كان المسيحيون وراءها وما زالوا، فإذا كان للغرب مسيحيته المتهودة فإن لنا مسيحيتنا القومية وآثارها موجودة في كل العالم. لنا مسيحية العهد الجديد مسيحية المحبة والغفران والعطاء والانفتاح وهي ما زالت على قيد الحياة على رغم كل محاولات الصهاينة وأصدقائهم من المسيحيين المتصهينين في الغرب. اما الأمثلة عن المسيحية الحقيقية فكثيرة ولا لزوم لتكرارها. ان التاريخ القديم والحديث مملوء بمن تاجروا ويتاجرون في الأديان، وأهل لبنان لن يكونوا اهل ذمة وهم في صميم المقاومة، والمقاومة ستكون من خلال الانفتاح والعلم والعطاء وربما من خلال دمعة صادقة من لبنان. فادي عبود رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين