عندما أطلقت الإدارة الأميركية مشروع الشرق الأوسط الكبير، سارعت طهران على لسان الرئيس السابق محمد خاتمي للدعوة الى تشكيل شرق أوسط إسلامي، وفي الوقت نفسه كشف العاهل الأردني عبدالله الثاني عن مخاوف من ظهور هلال شيعي في المنطقة يمتد من طهران مروراً بالعراق وسورية الى لبنان. ومن دون أن يوضح الطرفان الأميركي والإيراني شكل هذا الشرق الأوسط بدأ بينهما صراع وجدل سياسي أخذ أبعاداً مختلفة، في الملف النووي تارة، وفي الملفات الإقليمية تارة أخرى. وإذا كان بعض ملامح الشرق الأوسط الكبير في المفهوم الأميركي يبدو واضحاً، خصوصاً في نظر الطرف الإيراني الذي يرى انه يقوم على محورية إسرائيلية في مقابل إضعاف القوى والدول ذات التأثير في المنطقة. إلا أن إيران التي تعتبر نفسها قوة إقليمية تجاوزت أزمة الاعتراف، لا ترى لها موقعاً في هذا المشروع في ظل الإصرار الأميركي على حرمانها من برنامجها النووي أو حتى التكنولوجيا النووية التي تحقق لها تفوقاً على جيرانها وتساعدها على احتلال موقع متقدم الى جانب حليف واشنطن الأول في المنطقة - أي إسرائيل، في حين تريد أميركا تحجيم الدور الإيراني الناهض لإضعافه داخل المنظومة التي تريدها في المستقبل. وترى طهران التي سعت الى تعزيز قدراتها العسكرية في السنوات الأخيرة بالتزامن والتوازي مع تطوير برنامجها النووي، ان أي معادلة في المنطقة والشرق الأوسط من دون الأخذ في الاعتبار موقعها ودورها لن تكون ممكنة أو ناجحة، خصوصاً أنها تعتبر لاعباً أساسياً في العراقوأفغانستان، إضافة الى انها استطاعت الخروج من معادلة الحاجة الى سورية الى جعل الأخيرة تنضوي تحت لوائها وتصبح رأس حربة لها في مخاطبة الساحتين العربية والدولية. انطلاقاً من هذا، تعتقد إيران، بأن بحثها عن دور اقليمي أساس وفاعل في الشرق الأوسط الجديد، يمر عبر بابين كلاهما خطير، الأول الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل على خلفية البرنامج النووي، أو نقل المعركة الى مكان آخر في المنطقة لإضعاف القوات الأميركية، أو توجيه ضربة الى الهالة العسكرية الإسرائيلية تساهم في إضعافها. ومن دون الدخول في خلفيات الجدل حول العملية العسكرية التي قام بها"حزب الله"والتي أدت الى أسر جنديين إسرائيليين، إلا أن الإدارة الأميركية وعلى لسان وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بحديثها عن ولادة شرق أوسط جديد، أعطت طهران الفرصة بنقل المعركة الى الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وإبعادها عن حدودها أو الى مقربة منها في العراق أو أفغانستان، وانتظار النتائج التي ستسفر عنها، مع اطمئنان قوي وراسخ الى أن"حزب الله"قادر على الصمود ومنع الآلة العسكرية الإسرائيلية من تحقيق أهدافها بسهولة. وهذا يعزز الاعتقاد بأن الصراع الإسرائيلي -"حزب الله"هو صراع بالنيابة عن الأميركي - الإيراني في المنطقة، وإن كان بالنسبة الى إسرائيل يعتبر دفاعاً أيضاً عن دور وموقع محوري وأساس في المعادلة الإقليمية. وترى طهران ان إقامة سلام في الشرق الأوسط بالشروط الأميركية - الإسرائيلية سيشكل حائلاً دون اضطلاعها بدور في المعادلات التي ستترتب عليه، خصوصاً أن الدول العربية ستدخل في هذا السلام انطلاقاً من المبادرة العربية في قمة بيروت، أي الأرض مقابل السلام، وهذا ما سيبعد إيران عن التأثير والمشاركة لأنها لا تزال تصر على عدم الاعتراف بالدولة الإسرائيلية. إضافة الى اعتقادها بأن الدول العربية تتوجس من استعادة إيران دورها السابق في المنطقة أيام الشاه، خصوصاً إذا ما توصلت الى توافق مع واشنطن، إضافة الى ان هذه الدول، في نظر طهران، تفضل التعامل مع الولاياتالمتحدة واستكمال الخطوات التي كانت بدأتها باتجاه إسرائيل والسلام معها، أي التعامل مع أطراف تعرف قدرتها ومخططاتها بدل الدخول في صراع جديد تكون فيه طهران هي المتفوقة. من هنا تعتقد طهران بأن الدخول الى أي معادلة جديدة في الشرق الأوسط، ليس كشريك عادي، بل كلاعب أساس وثقل ودور فاعل، وهو ما أشارت إليه رزمة الحوافز التي تضمنها الاقتراح الأوروبي الذي تقدمت به الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة الى ألمانيا حول منظومة أمن إقليمية بمشاركة إيرانية، تعتقد بأن هذا الدخول لن يكون إلا من خلال إضعاف الدور الإسرائيلي أو توجيه ضربة لا تعود تسمح له بادعاء التفوق، وبالتالي كسر الهالة التي رافقته منذ تأسيس الدولة العبرية. وتدرك إيران حاجة الولاياتالمتحدة إليها للسيطرة على أوضاع العراق، خصوصاً أن تكرار الاتهامات لها على لسان السفير الأميركي في العراق زلماي خليل زاد بالضلوع في دعم الجماعات المسلحة يشكل اعترافاً بالدور الإيراني المؤثر وبضرورة الحوار معها لإبعاد شبح مواجهة على الأرض العراقية لا يمكن توقع نتائجها. وإضعاف الدور الإسرائيلي، قد يسمح لإيران بالدخول في مساومات مفتوحة مع المجتمع الدولي، خصوصاً أميركا، حول مستقبل المنطقة، قد تطاول البرنامج النووي وإمكان التخلي عن تخصيب اليورانيوم والموافقة على الاقتراح الروسي لنقل التخصيب الى الأراضي الروسية، في مقابل الاعتراف لها بتقاسم الأدوار الإقليمية بينها وبين إسرائيل في الشرق الأوسط الجديد أو الكبير.