تعد المصارف التي تعرف بالإنكليزية ب Saving & Investment Associations من وجهة نظر اقتصادية، مؤسسات ادخار واستثمار. وهذا المفهوم على رغم انه تقليدي العنوان يشكل قاعدة رئيسة يرتكز عليها العمل المصرفي في ظل التقنيات الحديثة. وقد استفادت المصارف التقليدية من الاموال المتيسرة لها من عمليات الادخار واستثمرتها بطرق شتى من دون مراعاة لحلية التعامل او حرمته وفقاً للمنظور الاسلامي وانما من منظور الربح كهدف استراتيجي. ولعل قائلاً يقول وما لنا والمنظور الاسلامي في العمل المصرفي حيث يحد ذلك من حرية التعامل، خصوصاً ان غالبية الصفقات وتبادل العمليات تتم مع مصارف اجنبية لا علاقة لها بالنهج الاسلامي في هذا المجال. لكن الجواب على ذلك هو عدم وضوح الرؤيا لأولئك القائلين بمفهوم النهج الاسلامي في تداول الثروة والمعاملات المالية، حيث بيان ذلك قد لا يكون معلوماً بالقدر الكافي لدى كثيرين. ونحن في هذا الصدد لا نريد التنظير لفلسفة الاسلام في رؤيته للمال وكيفية توظيفه، لأن ذلك يخرجنا من دائرة المقصود ويحتاج الى شرح مسهب. ولكننا سنعتمد اشارات مقتضبة تخدم وجهة النظر المقصودة. ومن مقتبسات الاشارة ان الاسلام اعطى مجالاً رحباً لمفهوم الحلية، حتى ان بعض الآيات حددت الحرمة بأمور معينة تقتضيها الغايات الانسانية والمنفعة الاجتماعية ومن بين ذلك قوله تعالى: "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به..."سورة المائدة: آية 5. وتأسيساً على ما تقدم فإن المصارف الاسلامية لم تنشأ من فراغ او من رغبة اشخاص متدينين يريدون اسلمة الانظمة المالية وفق نظريات يختلط فيها الدين بالسياسة، بل الامر يختلف عن ذلك جوهرياً حيث ان المصارف الاسلامية اضحت ضرورة في توظيف المال بما يخدم المجتمع بمشروعات تلبي حاجات لها مردودها الايجابي، فهي تنحو الى ايجابية التعامل. فعندما تكون الايجابية في نظر المصارف التقليدية توظيف السيولة النقدية بحيث تدر عليها اكبر عائد ممكن متمثلاً بفرق الفائدة، نجد ان المصارف الاسلامية تنظر الى هذا الاتجاه على انه اتجاه سلبي حيث تلغي اساس الفائدة في تعاملها وتسعى الى فاعلية المشاركة بطرق متنوعة، مراعاة لحلية التعامل الذي يعطي رونقاً جميلاً للكسب، ولعل هذا المنظور يقترن بأبعاد أو مدلولات الآية الكريمة في نظرتها الى المال: "المال والبنون زينة الحياة الدنيا"سورة الكهف الآية 46. حيث تشير هذه الآية الى اهمية المال في الحياة، فهو زينتها اذا ما احسن استخدامه في الامور النافعة كنوع من فلسفة القرآن الكريم في التصريح والتلميح، وبمعنى آخر استغلال المال بعيداً من الشبهات والحرمات التي تكدر صفاء هذه الزينة وهذا منطق الاديان السماوية ايضاً. لقد أدركت الدول حديثاً اهمية المصارف الاسلامية ومجالات نشاطاتها ودورها في التعامل المصرفي، حتى بلغ عدد هذه المصارف أكثر من 170 مصرفاً، منتشرة في ارجاء العالم. ولا بأس في الاشارة هنا الى جديد الخطوات في مجال العمل المصرفي الاسلامي حيث باشرت المملكة المتحدةبريطانيا في انشاء مصرف اسلامي، قد بدأ عمله خلال الربع الاول من هذا العام. وهناك خطوة مماثلة اتخذتها اليابان حيث افادت صحيفة الاعمال اليابانية"نيهون كايزاي نيكاي"ان البنك الياباني للتعاون الدولي، وهو مؤسسة مالية حكومية، شكل لجنة استشارية تضم أربعة متخصصين من المملكة العربية السعودية وماليزيا وباكستان، بمشاركة مصارف يابانية كبيرة مثل:"سوميتومو متسو"وپ"ميزوهو"وپ"طوكيو ميتسوبيشي يو اف جي"، لدراسة القواعد المالية المطبقة في الدول الاسلامية. وتندرج هذه المبادرة في اطار حملة الحكومة اليابانية لتزويدها بالطاقة وخصوصاً عبر تعزيز علاقاتها مع الدول المنتجة للنفط والغاز التي يعتمد عليها ثاني اقتصاد في العالم في شكل كبير. ويفهم مما ذكر اعلاه اهمية المصارف الاسلامية في الوقت الراهن في التعامل المصرفي وتغطية المبادلات المالية الدولية، مما يعني مستقبلاً واعداً لهذه المصارف وبديلاً أمثل للمصارف التقليدية، وإيجاد قنوات جديدة لم تألفها المصارف التقليدية في الاستثمار واستغلال المال. * اكاديمي ومدير مصرفي سابق