بعد فشل الجيش الاسرائيلي في بلوغ أهدافه العسكرية في الحرب الأخيرة على لبنان، على نحو أذهل العالم وقادة اسرائيل، أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1701 القاضي بوقف"كامل لجميع العمليات الحربية وخصوصاً وقفاً فورياً لكل الهجمات من جانب حزب الله، ووقفاً فورياً لكل العمليات العسكرية الهجومية من جانب اسرائيل". غير أن قراءة متفحصة لبنود القرار تظهر أنه لم يلب كامل المطالب اللبنانية، وان لم يكن قد حقق الأهداف الاسرائيلية من الحرب، فهو من ناحية أخذ بالاعتبار بعض ما طالب به لبنان، وتجاهل من ناحية ثانية الكثير من الأمور الاساسية، وكان منحازاً وغير منصف في تحميل لبنان، وتحديداً المقاومة، مسؤولية ما حصل من عدوان وقتلى وجرحى وتدمير للبنى التحتية بينما جرى تمرير بعض ما رغبت به واشنطن وتل ابيب من مسائل وان كانت بطريقة غير مباشرة. 1- القرار يحمل المقاومة مسؤولية ما حصل من خسائر وأضرار في الجانبين اللبناني والاسرائيلي انطلاقاً من عملية أسر الجنديين الاسرائيليين ويبرئ اسرائيل من أية مسؤولية، وكأنه لا يوجد احتلال اسرائيلي للأرض اللبنانية ولا اسرى لبنانيون في السجون الاسرائيلية ولا اعتداءات وانتهاكات يومية اسرائيلية للسيادة اللبنانية، واستطراداً يتنكر لحق لبنان في مقاومة الاحتلال. 2- تبني المطلب الاسرائيلي لناحية"الافراج غير المشروط عن الجنديين الاسرائيليين المخطوفين"في وقت يتغاضى تماماً عن حق المقاومة المشروع من أجل تحرير أسرى لبنانيين محتجزين كرهائن في سجون الاحتلال ترفض اسرائيل اطلاقهم، ويكتفي القرار بالاشارة الى حساسية قضيتهم ويشجع على تسويتها. وهذا يظهر انه عندما يصبح الأمر متعلقاً باسرائيل يختلف التعاطي وتستخدم لغة أخرى غير المطالبة، بل التشجيع على الحل، وهذا يعني التمييز بين المعتدي والمعتدى عليه والوقوف الى جانب المعتدي وترك المجال أمامه لمعالجة أي قضية بما يسمح له بتحقيق مكاسب سياسية. 3- القرار لا ينص صراحة على وقف شامل لإطلاق النار انما يتحدث عن وقف العمليات الحربية من جهة، ويدعو الى وقف جميع العمليات والهجمات من جانب المقاومة، لكنه يدعو اسرائيل الى وقف عملياتها العسكرية الهجومية، وهذا يعني انه في الوقت الذي يجب فيه على"حزب الله"عدم القيام بأي عملية، فإنه يعطي لاسرائيل بحجة الدفاع عن النفس، حق القيام بعمليات عسكرية، وإلا لماذا ذكر القرار وقف العمليات العسكرية الهجومية فقط؟!، وينزع هذا الحق عن المقاومة التي هي رد فعل على الاحتلال وعدوانه، ان هذه الفقرة تحول الاحتلال الى صاحب حق في الدفاع عن النفس، وتجعل صاحب الحق غير محق في مقاومة المحتل. 4- يدعو القرار الحكومة اللبنانية صراحة الى تنفيذ القرار 1559 القاضي بنزع سلاح المقاومة، وهو ما يشكل أحد أهم أهداف العدوان الاسرائيلي، الأمر الذي يتعارض مع: - السيادة اللبنانية وحق لبنان بمقاومته للاحتلال طالما ان هناك أرضاً لبنانية محتلة وحقوقاً مسلوبة واعتداءات واختراقات يقوم بها طيران العدو. - ومع منطق الحوار القائم في لبنان حول مثل هذا الأمر الذي اعتبره اللبنانيون شأناً داخلياً خاضعاً للنقاش وفق المصلحة الوطنية العليا. 5- يتحدث القرار بوضوح عن انشاء منطقة أمنية خالية من وجود المقاومة وسلاحها بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، وحصر الوجود فيها لقوات اليونيفيل والجيش اللبناني، كما هو منصوص في الفقرة 11. ويبدو واضحاً أن هذه الفقرة تستجيب لمطالب إسرائيل في سعيها لإبعاد المقاومة وسلاحها الى شمال نهر الليطاني، بعد أن عجزت عن القضاء عليها أو تحقيق هذا الإبعاد بواسطة القوة العسكرية، في وقت أن المقصود من انشاء هذه المنطقة الأمنية اراحة إسرائيل من المقاومة وتوفير الفرصة لها من أجل استمرار احتلالها لمزارع شبعا وتلال كفر شوبا واستخدامها وسيلة لابتزاز لبنان ومساومته عليها لفرض الشروط عليه وقبض ثمن سياسي مقابل الانسحاب منها، هذا إذا وافقت على مبدأ الانسحاب. 6- يفرض القرار حصاراً على بيع وتوريد وإمداد المقاومة بالسلاح أو قطع الغيار، باعتبار أن هذا الأمر غير شرعي وهو من حق الحكومة اللبنانية فقط، فيما إسرائيل تتزود بكل أسلحة الدمار الشامل، وفي ذلك تمييز بين المقاومة والحكومة، ومحاولة لوضع الحكومة في مواجهة المقاومة، والهدف الأساس هو افقاد المقاومة إمكانية التصدي لإسرائيل وجيشها، كما حصل ويحصل حتى الآن حيث صدم قادة إسرائيل من قدرات وإمكانات المقاومة التي حولت دباباتهم إلى أكوام من الحديد المحترق وبداخلها الجنود قتلى وجرحى. 7- ان القرار، وإن لم يوضع تحت بند الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة، ولم يتحدث صراحة عن انشاء قوة متعددة الجنسية تقوم بدور رادع لحماية إسرائيل ومنع المقاومة من ممارسة حقها، فإنه التف على ذلك، وعمد الى تعزيز القوة الدولية بزيادة عددها الى 15 ألف جندي، لكنه أعطاها وظيفة مهمة رادعة من خلال السماح لقوات اليونيفيل بالقيام بكل التحركات الضرورية في مناطق انتشارها للتأكد من أنها"لا تستخدم للإعمال العدائية"، أي لأعمال المقاومة، ومقاومة"المحاولات التي تحصل عبر وسائل القوة لمنعها من أداء مهماتها بتفويض من مجلس الأمن". ما يعني اعطاء القوة الدولية الموجودة حق استخدام القوة ضد المقاومة إذا قامت بأي عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي. إن القرار الذي لم يأتِ على إدانة العدوان الإسرائيلي والمجازر الإسرائيلية الوحشية التي فاقت النازية، وتدمير البنى التحتية، وحاول تعويض إسرائيل بعضاً من هزيمتها، لن يحول دون استمرار المقاومة واحتفاظها بوجودها وسلاحها، لسبب بسيط، لأن هذه المقاومة موجودة على أرضها وبين أهلها، وهي تستمد شرعيتها من استمرار الاحتلال للأرض اللبنانية. وما لم تستطع القوة الإسرائيلية بكل جبروتها تحقيقه، لن تتمكن قوات اليونيفيل منه إذا فكرت باستخدام القوة ضد المقاومة. لذلك فإن القرار 1701 الذي يحتاج الى وقت لتنفيذه على أرض الواقع بسبب طبيعة إسرائيل المراوغة، قد يؤدي الى هدنة، إذا ما التزمت به إسرائيل وانسحبت من الأرض اللبنانية التي دخلت إليها بعد 12 تموز يوليو الى ما وراء الخط الأزرق، إلا أن هذه الهدنة لن تطول كثيراً إذا استمرت إسرائيل في احتلال مزارع شبعا وتلال كفر شوبا واختراقاتها للسيادة اللبنانية ورفض اعادتها الى لبنان وكذلك إذا لم تفرج عن الاسرى في إطار عملية تبادل غير مباشرة، لأنه في مثل هذه الحال سنعود الى المرحلة التي كانت سائدة قبل العام ألفين والتي تحكمها معادلة تفاهم نيسان. * كاتب فلسطيني