عندما بلغت مباريات"المونديال"في كرة القدم ختامها، انصرف الناس جميعاً، من رئيس الجمهورية الى أصغر محرر في صحيفة محلية، الى التعليق على"نطحة زيدان"، رحت أتساءل عما إذا كان الاحتفال الألماني الثاني هذا وكان الأول في 1936 يؤذن بكارثة جديدة. والحق ان أوروبا العجوز تعلمت دروس التاريخ، ولن تخوض حروباً جديدة. ولكن غير الأوروبيين يشعلون حروباً من حولنا. فهل نحن عميان الى حد لا نرى معه الغيوم السود المتراكمة فوق رؤوسنا بعد 17 عاماً على انتهاء الحرب الباردة؟ ففي غضون ايام قليلة وجهت إلينا سلسلة ضربات: - انفجرت ازمة على جانب كبير من الخطورة في كوريا الشمالية، آخر قلاع الستالينية على وجه الأرض، إثر اختبار صواريخ باليستية اقدمت عليها حكومة بيونغ يانغ في 4 تموز يوليو الماضي. والصاروخ الجديد"تايبودونغ ?2"يبلغ مداه 600 كلم. ويتيح للديكتاتور كيم جونغ - ايل ان يضرب بأسلحة ذرية اهدافاً في كوريا الجنوبية أو اليابان أو الاسكا. وإذا احتسبنا الابتزاز الناجم عن السلاح الذري، فنحن امام طور استراتيجي جديد وخطر وإعادة نظر جوهرية في الموازين الاستراتيجية في آسيا - المحيط الهادئ. وهذا قد يؤدي الى سعي اليابان الى تملك سلاح نووي، وبعدها كوريا الجنوبية وربما تايوان، عدا انتشار التكنولوجيا الكورية الشمالية في دول الشرق الأوسط حيث لبيونغ يانغ علاقات ودية بإيران وباكستان. - اشتدت الحرب المستعرة بين الهند وباكستان على كشمير. وتثير هذه الحرب القلق اليوم اكثر من الأمس. فهي مجابهة بين قوتين نوويتين. وتجلى خطرها في الهجمات الدموية على بومباي اخيراً، وقضى ضحيتها 148 قتيلاً، واتهم بتنفيذها اسلاميون تدعمهم باكستان، على قول نيودلهي. وقبل ايام قليلة كانت الهند جربت إطلاق صاروخ باليستي جديد بعيد المدى وسكت عنه. وهذه قرائن على احتداد التوتر في آسيا الجنوبية، حيث النار تحت الرماد. - وانبعث النزاع العربي - الإسرائيلي في ظروف غامضة الى الساعة. فالأعمال العسكرية الإسرائيلية المفرطة حملت الرأي العام الفلسطيني على التشدد، وقوت"حماس"، وعزلت الرئيس محمود عباس محاور اسرائيل الوحيد. إلا ان الانفجار على جبهة غزة لا يقارن بمبادرة"حزب الله"، الذراع السورية - الإيرانية في لبنان، العسكرية عشية عقد مؤتمر الثماني. فهذه المرة الأولى، منذ 1948، التي تقحم فيها ايران نفسها في النزاع العربي - الإسرائيلي. وهي قوة غير عربية، ولكنها حاملة راية الثورة الشيعية على الغرب في المنطقة. وللمرة الأولى تجتمع في هذا النزاع، وهو كان اسرائيلياً - فلسطينياً، عوامل منها خليجي، بسبب ايران الطامحة الى امتلاك قنبلة نووية، وأداء دور قوة اقليمية في المنطقة. وعرفت إيران، بلباقة ودراية، كيف تكسب تعاطف الشارع العربي. وأبعدت الانتباه عن ملفها الإيراني المدرج على جدول أعمال سان بيترسبورغ. والعوامل متوافرة ليمتد هذا الصراع الى حرب اسرائيلية - ايرانية. وإذا نظرنا الى البرنامج النووي السري الإيراني، فقد تكون حوادث اليوم توطئة لما قد يحصل في الأشهر أو السنوات التي تلي امتلاك ايران سلاح نووي. والحق انه لم يعرف التاريخ الحديث، منذ الحرب العالمية الثانية، تراكماً للأزمات على هذا المقدار من الخطر. فمن كوريا الشمالية الى الهند وباكستان، مروراً بإيران وإسرائيل، من غير ان ننسى العراق ودارفور وحروب اخرى لم تختم جروحها مثل البلقان والقوقاز وساحل العاج، تكر سبحة الحروب. وإذا أضفنا الى ما سبق الحرب الاقتصادية، وهي تدور على المواد الأولية مع صعود الصينوالهند، وسعر برميل النفط الذي قارب الثمانين دولاراً، ندرك أي جمر يغطيه الرماد الذي نجلس عليه. والأسوأ ان القوة العظمى التي ضبطت الإيقاع منذ 1945 تبدو اليوم عاجزة عن التحكم بهذه الفوضى. فمن أمم متحدة لا يحترم احد قراراتها، الى حلف أطلسي يتساءل عن علة وجوده، واتحاد أوروبي متعثر منذ ازمته الدستورية، تفتقد هيكلية وقيادة تحولان دون بعث مبدأ"من بعدي الطوفان". فأميركا تخوض حربها ضد الإرهاب وحيدة، ومن دون حلفاء ولا استراتيجية سياسية. وبدأت نذر الفشل تظهر في العراق، والضعف في افغانستان. وقد تخرج الولاياتالمتحدة من المستنقع العراقي، الى انطوائها واعتزالها. وفي المقابل، تتولى الصين وروسيا سلفاً معارضة اميركا. ويقتصر همهما على مصالحهما الوطنية. فكان الأمن الدولي لعبة خاسرة، وكل ما يزعج الغرب يعود بالفائدة عليهما. وتنصرف أوروبا الى عماها عن كل ذلك. فهي تحلم بدول"ما بعد الأمة"، خالية من السلاح النووي، وتتولى الأحزاب اليمينية المتطرفة النامية تصديعها. وخلاصة القول إننا في حاجة ماسة الى ان نعي ما يحصل لنا. وعلينا البدء بالتصدي للأزمات التي تواجهنا بسرعة، ابتداء من الشرق الأوسط. فلا يجوز ان تتنصل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، او مجموعة الثماني، من النزاعات المستشرية. ففي جنوب لبنان، ولى زمن الخطابات وجاء وقت العمل. فإما ان تظهر الحكومة اللبنانية قدرتها على استعادة زمام الأمور على ارضها، وتنزع بنفسها سلاح"حزب الله"، وهذا غير وارد، وإما ان يترك العالم اسرائيل تنهي هذه المهمة بدلاً من الحكومة اللبنانية، وتدمر لبنان، وهذا أسوأ الحلول. ويبقى ان يقوم المجتمع الدولي بالتدخل، ويوقف إطلاق النار، ويرعى الشروط التي تتيح للبنان استعادة سيادته. والمجتمع الدولي الذي اعنيه هو فرنسا. ويتوجب عليها ان تقود الأوروبيين في الحملة السياسية والعسكرية الآتية. وعليها ان تبدأ العمل سريعاً. عن بيار لولوش نائب اوروبي، ورئيس اللجنة النيابية في حلف شمال الأطلسي، "لو موند"الفرنسية، 10/8/2006