القول إن الهجوم البري الإسرائيلي في الساعات ال48 التي سبقت موعد وقف العمليات، المقرر في الثامنة صباح اليوم بالتوقيت المحلي، ناجم عن حاجة اسرائيلية الى نصر موضعي، يحتاج الى بعض التدقيق. فهو إن صح في اماكن محددة من الجبهة لا يصح في اماكن اخرى. ويبدو ان مجموعات رأس الحربة الإسرائيلية في هذا الهجوم هي تلك التي تتولى وتحاول التقدم في منطقة وادي الحجير، ذلك الوادي المتعرج والمتفاوت الوعورة الذي يربط بين نحو عشر قرى في القطاع الأوسط، فيبدأ عند مثلث قرى ميس الجبل وحولا وشقرا على الحدود مع اسرائيل، ويسمى هناك وادي السلوقي وهي المنطقة الأقل وعورة فيه، ثم ينطلق الوادي شمالاً ويتعرج في بعض الأحيان غرباً فيما التلال التي تحيط به تضم كثيراً من قرى القطاع الأوسط. فيفصل الوادي بين بلدات مجدل سلم غرباً والطيبة ومركبا شرقاً ثم تولين غرباً ورب تلاتين شرقاً، وصولاً الى برج قلاويه والغندورية حيث يتجه الوادي على نحو شديد الانحدار في اتجاه نهر الليطاني عند نقطة قعقعية الجسر. ويتفاوت الوادي جغرافياً بين جبال صخرية قليلة الارتفاع في المنطقة القريبة من الحدود مع اسرائيل، الى متوسطة الارتفاع مع وجود بعض الغابات الصغيرة كلما اتجهنا شمالاً. ويبدو ان اختيار الإسرائيليين هذا الوادي ليكون نقطة الاختراق الأولى على الجبهة الجنوبية، مرتبط بإدراكهم انهم انما يحاولون فك الارتباط بين القطاعين الشرقي والغربي من الجبهة، ناهيك عن اشارتهم الى ان تحصينات"حزب الله"الأساسية فيه. لكن وصولهم الى الغندورية الواقعة على تلة عند اقصى الطرف الشمالي للوادي لا يعني انهم عبروه ووصلوا الى البلدة، بل انزلوا فيها مظليين ليكونوا بذلك قد ربطوا طرفيه بقواتهم. اما احتلالهم له فلن يكون سهلاً بالطبع، خصوصاً ان معظم القرى على طرفي الوادي ما زالت في يدي"حزب الله". اما تحصينات الحزب فيه فيصعب تقدير مدى تمكن الإسرائيليين من قصفها او تدميرها. في عملية الليطاني العام 1978 دمّر الإسرائيليون بلدة الغندورية في شكل كامل اثناء تقدمهم باتجاه نهر الليطاني. هذه المرة وصلوا الى البلدة قبل ان يجتازوا ذلك الوادي، والأرجح ان هدفهم الوادي وليس النهر الذي لا يعدو كونه علامة وضعتها القيادة السياسية كسقف للعملية العسكرية. اما وادي الحجير فهو هدف عسكري يمتد الى حدود الإسرائيليين مع لبنان، وهم سيحاولون عبوره على رغم الكلفة الكبيرة التي يتوقعون دفعها ثمن ذلك. ولهذا الوادي ايضاً شعاب وهوامش كثيرة تصل قرى اخرى في القطاع الأوسط، بحيث تعتبر السيطرة عليه امساكاً بالعصب الذي يربط قرى قضاءي بنت جبيل ومرجعيون، وبما ان كلفة دخول القرى ستكون كبيرة كما اثبتت التجربة في اكثر من مكان في جنوبلبنان، فإن الالتفاف على هذه القرى يتطلب الإشراف عليها من التلال والأودية المطلة عليها. وبدا أمس ان الوقت الباقي قبل موعد وقف النار ليس كافياً على الأرجح للقيام بهذه المهمة في ظل المعارك العنيفة، وربما احتاج الإسرائيليون أسابيع اخرى. والوادي لن يكون هدفاً سهلاً، كما ان العملية الإسرائيلية لن تكتمل من دون تحقيق تقدم فيه.