يعتقد خبراء عسكريون بأن قرار الحكومة الاسرائيلية توسيع عملياتها العسكرية في جنوبلبنان يهدف بالدرجة الأولى الى احراز انجاز جغرافي تستطيع أن تستثمره اعلامياً وداخلياً على أنه نصر. كما أن الاجتياح سيمهد لنشر قوات دولية عملاً بالقرار المتوقع لمجلس الأمن. وبحسب جنرال أميركي رفض كشف اسمه، لن يؤدي اجتياح الجيش الاسرائيلي لجزء من جنوبلبنان أو الجنوب بكامله الى تدمير"حزب الله"أو منعه من تهديد شمال اسرائيل بصواريخه البعيدة المدى. وجل ما سينجزه هذا الهجوم هو منع تهديد صواريخ الحزب القصيرة المدى ضد شمال اسرائيل. لكن صواريخه من طراز"رعد"و"خيبر"، التي يزيد مداها عن 50 كلم، ستبقى قادرة على ضرب أهداف في شمال اسرائيل وليس في عمقها، ما يضع عددا كبيرا من مدن وبلدات اسرائيلية يطاولها القصف حاليا خارج المرمى. إلا أن أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية تعتقد بأن الحزب لا يملك كميات كبيرة من هذه الصواريخ، وبأن الهجمات الاسرائيلية الجوية خلال الشهر الماضي تمكنت من تدمير جزء كبير منها، خصوصاً المنصات التي كان الدخان المنبعث من الصواريخ المنطلقة يقود الطائرات الاسرائيلية بسرعة اليها. فهذا النوع من الصواريخ، بعكس تلك القصيرة المدى، تخلف وراءها خطاً من الدخان الكثيف لا يزول بسرعة مما يمكن العين المجردة من رصد مكان انطلاقها حتى من مسافات بعيدة نسبياً. ويبدو أن اسرائيل بدأت المرحلة الأولى التحضيرية لعملية الاجتياح بتقدم جنودها نحو مرجعيون. وبحسب مصادر في اسرائيل، يحتاج الجيش الى يومين اضافيين لسحب حوالي ثلاث فرق من الجيش النظامي في الجبهة الجنوبية لزجها بالهجوم في لبنان، والذي سيضم أيضا ثلاث فرق احتياط بالاضافة الى الفرقة التي تقاتل حالياً ليصل العدد الاجمالي للقوات في عملية الاجتياح الى سبعين ألفاً. والقراءة الأولى لشكل الهجوم الاسرائيلي البري تشير الى أن تل أبيب قد تكون تنوي السيطرة على المنطقة الممتدة من حدود جبل الشيخ، وتحديدا قضاء حاصبيا في القطاع الشرقي مرورا بقريتي يحمر وسحمر في أطراف البقاع الغربي وبجنوب قضاء جزين، حتى خط مصفاة الزهراني على الساحل. وسيضع احتلال المنطقة المذكورة منطقة اصبع الجليل الاسرائيلية خارج مرمى صواريخ الحزب القصيرة المدى. إذ أن احتلال المنطقة الممتدة حتى خط نهر الليطاني فقط سيبقي منطقة اصبع الجليل، التي تبعد عن النهر حوالي ثلاثة كيلومترات فقط، ضمن مرمى صواريخ الحزب. ويتوقع الجنرالات الاسرائيليون أن يكون القتال شرسا ومكلفا مع مقاتلي"حزب الله"وهم قدروا حجم الخسائر المتوقعة في صفوف جيشهم في العمليات المقبلة بما لا يقل عن مئتي جندي بالاضافة الى مئات الجرحى. وعلى رغم أن القوات الاسرائيلية قد تتمكن من التقدم سريعاً والالتفاف بشكل المروحة حول القرى والبلدات والتلال الاستراتيجية، فإن الفترة التي ستحتاجها لاإتمام السيطرة على المنطقة التي سيشملها الاجتياح قد تزيد عن الشهر. خصوصاً ان مقاتلي"حزب الله"محصنون بشكل جيد داخل قرى وبلدات عدة، خصوصاً ذات الأكثرية الشيعية. كما ان المنطقة مليئة بالوديان والمغاور والأحراش، ما يجعلها مناسبة تماماً لحرب العصابات المتمرس بها"حزب الله". وبحسب مصادر عسكرية أميركية مطلعة، ان المشكلة الأساسية اليوم - على صعيد هدف العمليات العسكرية أو الجهود الدبلوماسية - هي رسم استراتيجية خروج من الحرب الحالية تؤدي الى ايجاد واقع جديد في لبنان يقوم على انهاء التهديد العسكري لاسرائيل من قبل"حزب الله". وتقول هذه المصادر ان قرار الحكومة اللبنانية ارسال الجيش الى جنوبلبنان كان خطوة جيدة، لكن غير كافية. اذ أن القرار يفتقر الى آلية واضحة لنزع سلاح"حزب الله"وخاصة صواريخ"كاتيوشا"على أنواعها. وتضيف المصادر أن بقاء مقاتلي الحزب مع أسلحتهم، وان بقيت في مخازنها في جنوبلبنان، سيبقي التهديد قائما في وجود أو عدم وجود الجيش اللبناني. ولذلك، تقول هذه المصادر، ان أميركا واسرائيل تصران على قيام قوات دولية بمؤازرة الجيش اللبناني بمهمة التأكد من خلو جنوبلبنان والبقاع الغربي من أسلحة"حزب الله"ومنع دخول صواريخ الى لبنان عبر الحدود السورية. وعليه، فإن اسرائيل لن تنسحب من الأراضي التي ستحتلها وتطهرها من أسلحة الحزب قبل انتشار القوات الدولية فيها وعلى نقاط العبور على الحدود السورية. وتضيف هذه المصادر أن حجم التأييد الداخلي في اسرائيل كبير للعمليات العسكرية وخاصة انهاء تهديد صواريخ"حزب الله"، الى حد سيمكن اسرائيل من الدخول بحرب استنزاف قد تكون طويلة ومكلفة مع"حزب الله"الى أن يتغير الموقف اللبناني. * باحث في الشؤون الاستراتيجية