أشعر أحياناً بأنني مثل ذلك المدخّن الذي قرأ وقرأ عن أضرار التدخين حتى قرر ان يتوقف عن القراءة، فأنا أقرأ كذب عصابة اسرائيل حول الإدارة الأميركية وعنصريتها وأمراضها، وأفكر ان العمر قصير، ولا أريد ان"تفقع مرارتي"كمداً، وربما كان من الأفضل أن أتوقف عن القراءة. التدخين وعصابة اسرائيل واحد، فكلاهما يسبب السرطان، او هو المرض الخبيث. وكنت منذ بداية السنة أجمع مقالات المتطرفين المحترفين من انصار اسرائيل لكتابة حلقات عنهم، بعدما كتبت عن دانيال بايبس ومايكل ليدين، إلا ان خطف فلسطينيين الجندي الإسرائيلي في 25 حزيران يونيو الماضي، ثم خطف"حزب الله"جنديين في 12 تموز يوليو جعلني أختصر وأعيد ترتيب المواضيع بما يوضح تفكير الجماعة حتى المواجهة الحالية. وهكذا فأنا أختار للقارئ اليوم نماذج تعكس كيف تُزوّر الحقيقة: بعد انفجار قضية الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم قاد دانيال بايبس الذي تربطه علاقة بالمتطرفين الدنماركيين وجريدة"بيلاند بوستن"الحملة، غير انني كتبت عنه ما يكفي وأختار من آخرين. ب. ديفيد هورنك كتب مقالاً بعنوان"معانقة الإسلام الفاشي"عنوانه يعكس محاولة عصابة الشر ترويج عبارة"الإسلام الفاشي"أو"إسلاموفاشزم"التي رأيتها فجأة تتكرر في ما يكتبون، حتى انني كتبت زاوية عنها منبهاً محذراً. اندرو مكارثي سأل:"حرب؟ أي حرب؟ الذين لا يتعلمون من التاريخ"، وهاجم ادارة بوش لأنها لا تقول انها حرب على الإرهاب الإسلامي، فهو يصر على عدم إهمال ذكر الإسلاميين في هذه الحرب. جو كوفمان كتب تحت العنوان"كذبة نيسان لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية"هاجم فيه المجلس لتنظيمه مؤتمراً. ولا أقول سوى ان المجلس لا يضم جواسيس من نوع جواسيس"ايباك"الذين صدرت قرارات اتهام بحقهم لأنهم يقدمون اسرائيل على اميركا. وعاد جو كوفمان فكتب تحت العنوان"احتفال كره سنوي"عن اجتماع سنوي للطلاب المسلمين في جامعة فلوريدا اتلانتك، فلا أقول سوى انه لو كتب مسلم عن اجتماع طلاب في جامعة اميركية من اليهود واستعمل أوصاف كوفمان هل كان ينجو من تهمة اللاسامية؟ بل ان جامعة برانديز اليهودية لم تنجُ، فهي منحت دكتوراه فخرية للكاتب المسرحي اليهودي توني كوشنر، فوبخها روبرت سبنسر، لأن كوشنر يتعاطف مع الفلسطينيين، ثم وبخها لاستضافة معرض عن اطفال فلسطين. ومع سوء الأحوال في العراق واستمرار القتل العشوائي وفشل الاحتلال في ايجاد حلول هب من يدافع عن الفشل. ادوارد لوتفاك كتب يقول:"الحرب الأهلية الطريقة الوحيدة لإحلال السلام في العراق". وهو سلام القبور فهو يريد حرباً اهلية يقتل فيها العراقيون، ورأيه أحقر من ان يستحق تعليقاً فهو يكشف عنصرية صاحبه وتطرفه. اندرو والدن طلع بموضوع أعجب عنوانه"العراق اكثر أمناً من دي سي"، أي العاصمة الأميركية واشنطن، واستخدم ارقاماً للمقارنة، ولم يبق سوى ان نشكر الاحتلال لأنه رفع العراق الى مصاف واشنطن في الجريمة. ومن العراق الى ايران، فالتحريض عليها قضية حياة مايكل ليدين، إلا انني كتبت عنه حلقات فأختار واحداً من أشرس المحافظين الجدد وأحقرهم، وهو ريتشارد بيرل الذي كتب محذراً من التراجع في المواجهة مع ايران، ومعارضاً المفاوضات معها. وكان مثله في التحريض مايك ماكغافيك الذي كتب تحت عنوان مستوحى من بطولة كأس العالم في كرة القدم هو"بطاقة حمراء لإيران"يدعو الى مقاطعتها او طردها، وهي أعطت نفسها بطاقة حمراء بخسارتها في الدور الأول وخروجها. وجاءت المواجهة بين اسرائيل وپ"حماس"وپ"حزب الله" وتفوقت عصابة اسرائيل على نفسها. دان دارلنغ كتب يقول ان"عدو اسرائيل عدو اميركا"وأُصر على ان اسرائيل أكبر عدو لأميركا ومصالحها، وأن امثال دارلنغ مسؤولون عن نشر الكره لأميركا حول العالم بالالتزام غير الأخلاقي بإسرائيل. وبالمعنى نفسه، قال اندرو مكارثي الذي ورد اسمه سابقاً"حرب اسرائيل وحزب الله حربنا مع ايران"، أي حرب يقتل فيها شباب اميركا لخدمة اسرائيل. كيفن توليس الذي أنتج فيلماً وثائقياً عن العمليات الانتحارية حذّر قائلاً"في روما لا تنسوا قنابل 1983"، وهو يشير الى نسف السفارة الأميركية في بيروت ومقر المارينز. غير ان المقال ركّز على"امير الشهداء"احمد قصير الذي دمر بسيارة مفخخة سنة 1982 القيادة الإسرائيلية في صور وقتل 76 جندياً اسرائيلياً... يعني ان هذا الاعتذاري الإسرائيلي لا يريد مقاومة احتلال وحشي. لا أعتقد بأن أحداً في العالم العربي كتب معترضاً على العمليات الانتحارية اكثر مني، ولا أزال أدعو الى وقفها، غير ان السبب انها تقتل مدنيين، اما قتل جنود احتلال عاث في الأرض فساداً فبطولة واستشهاد حقيقي، ولو ان كل العمليات الانتحارية تصيب جنوداً فقط لما كان اعتراض إلا انها تصيب البريء مع المجرم، لذلك أدعو مرة اخرى الى وقفها. وكتب مايكل روبن مهاجماً إدارة بوش لأنها غير متطرفة بالقدر الذي يريد وكان عنوانه هو"كلام بلا استراتيجية"، ووجدت انه يذكّر قراءه بأن السيد حسن نصر الله قال سنة ألفين ان اسرائيل سرطان يجب استئصاله. ويبدو ان ذاكرة روبن انتقائية، فقد قال كل زعيم عربي حتى اواخر السبعينات مثل هذا الكلام، وقاله آية الله الخميني. بل انني قلته قبل ايام في هذه الزاوية، وإن زدت انني لا أريد استئصال اسرائيل، وإنما حصرها وراء جدار هي بنته لعزل ورمها الخبيث عنا. أزعم ان الذين يدافعون عن جرائم اسرائيل ويجدون لها الأعذار سرطان من نوع آخر، إلا انه لا يقل اذى عن التدخين.