زيدان الملهم و"زيدان الرئيس" عبارتان ترددهما ألسنة 60 مليون فرنسي و32 مليون جزائري، تعبيراً عن الامتنان لأداء زين الدين زيدان قائد منتخب فرنسا في المونيدال، والذي سيضع حداً لمسيرته عقب المباراة النهائية في 9 الجاري. وإذا كان الفخر الفرنسي فعل فعله في الأيام الأخيرة، بعد التبدّل الجذري الإيجابي لأداء"الأزرق"في المونديال، فإن العاطفة الجزائرية جياشة جداً، واسم زيدان وصوره في كل مكان من وهران الى عنابة... في منطقة تاغمونت الجبلية الجزائرية الوعرة، يعيش أقرباء"زيزو"، يحتفلون ويشجعون ويطلقون الصيحات ويتفاعل معهم باقي السكان، عند كل تمريرة أو تسديدة ينفذها، وفي نهاية المباراة يعلو التصفيق وهتاف"مبروك عليكم لقد فزنا"في مقهى"عرقوب"ويُقدم الشراب، وكأنهم يحتفلون بزواج أو ولادة. انه مشهد تكرر في الآونة الأخيرة هناك حيث الشتاء القاسي والصيف الحار، وقد رصدت مجلة"ليكيب ماغازين"الفرنسية أحوال الأقرباء والنظرة الى"البطل القومي"الذي يساعد بعضاّ منهم، لاسيما ان البطالة تطاول نسبة 98 في المئة من السكان، وهم أساساً عمال موسميون في قطاف الزيتون، وورش البناء، فمثلاً ساعد"زيزو"أحد"أبناء عمه"رباح ليفتتح محلاً لبيع القرطاسية وأدوات التجميل وقدّم له سيارة"فان"صغيرة لنقل البضاعة. كما يهتم بترميم منزل العائلة وتأهيله. واسماعيل 71 عاماً والد"زيزو""تحدّى"القضاء والقدر وهاجر في سن السابعة عشرة الى فرنسا، لكنه يتردد كثيراً الى مسقطه، وهو صلة الوصل بين الأقرباء والنجم العالمي. وعلى غرار رباح لا يتحمل اسماعيل متابعة مباريات ولده على"الطبيعة"اذ تخونه أعصابه، لذا يرصد تطورات النتيجة تباعاً. في تاغمونت، يسألون كثيراً لماذا لم يلعب"زيزو"في صفوف منتخب الجزائر؟! ويصرفون ساعات طويلة في تحليل المباريات وأداء نجمهم المفضّل"هذا اللاعب الرزين الذي يعرف حدوده جيداً، مدرك طريقه في الميدان يوزع الكرات والمهام، لا يتسرع في قراراته لكنه سريع البديهة". ويضيفون"زيدان لم يولد هنا لكنه يشبهنا في أشياء عدة". ويمنّي ناشئون كثر النفس في أن يصبحوا يوماً مثل"زيزو"أو يحلمون بمجالسته، ومنهم صادق حدادي الذي يكشف أنه لم ينم ليلة فوز فرنسا على البرازيل 3 - صفر في نهائي مونديال 1998، وأحضر له اسماعيل"قميص"ريال مدريد تحمل اهداء من"زيزو"، ويعترف انه يحفظها وينظر إليها كشيء ثمين ولا يجرؤ على ارتدائها. ويختصر"زيزو"الجانب الراسخ في العلاقة بين الجزائروفرنسا، ومواطنوه"الأصليون"يتسقطّون أخباره بمختلف الوسائل ولا تعيقهم الكلفة الباهظة أحياناً لزيارة مواقع الإنترنت في مقاه متوافرة في أماكن بعيدة من تاغمونت. ويتابعون مباريات المودنيال على شبكة"تي اس أر"السويسرية، ويترقبون زيارته في الخريف المقبل، مصرين على أنها"وهي ضرورية الى أرض الأجداد"التي لم يطأها منذ عام 1986 حين كان في سن الرابعة عشرة، وحضر مع أفراد العائلة على متن باخرة أقلتهم من مرسيليا". أحد المعمرين في تاغمونت كان يستفسر عن عائلة"زيزو"من شقيقه الأكبر جميل، وتمنى ان يأتي النجم الكبير وأن يحضر معه ابنه البكر إنزو"ليتعرف على هذه القرية ويحبها". على طرقات تاغمونت وساحاتها الترابية حيث تقام يومياً مباريات في كرة القدم، واللاعبون الموهوبون يقولون ان الحظ ابتسم لپ"زيزو"اذ عاش في فرنسا وبرز واحترف، ويأملون ان يوفر فرصاً لهم. هذا ما ينشده"ابن عمه"بدر الدين 14 عاماً الدقيق جداً في تسديد الكرة والتمرير المتقن، لكنه في الوقت عينه يخشى أن ينتهي به الأمر عاملاً عادياً وتتكسر أحلامه كما حصل مع شقيقه الأكبر بلال 17 عاماً الذي سيعمل سائق حافلة. ويسري حب الرياضة ومسابقاتها في عروق الأولاد، غير ان معلمي التربية البدنية ونظراً الى غياب المرافق والتجهيزات، يكتفون بتنظيم سباقات للضاحية ومباريات"الحواري". اما الجانب"الشعبي"الجزائري في ظاهرة"زيزو"فهو موضة ارتداء الشباب والفتيان قصمان يوفنتوس وريال مدريد والمنتخب الفرنسي، الفرق التي شهدت انجازات لاعبهم، وقد طبع أسمه بأحرف كبيرة على ظهرها. كما تزدحم الشوارع وساحات المدن بلوحات إعلانية مساحة كل منها 12 متراً مربعة، وتحمل صور"زيزو"وهو يبتسم جالساً على مزلاج خشبي ومتوسطاً أربعة أولاد، مذيّلة بعبارة"نحبها ونحب إلي يحبها"، وهو إعلان لشركة اتصالات هاتفية محلية.