ما هي الخاصية المشتركة التي تجمع التجارب الديموقراطية في كل من ايرانولبنانوالكويت؟ في اعتقادي ان كلاً منها تجربة ناقصة، وإذا ما استثنينا لبنان لأن قيامه كدولة كان مشروعاً سياسياً، فإن التجربتين الأخريين في ايرانوالكويت تبدوان وكأنهما تتخاصمان مع مشكل يقضي على الأمل باستكمالهما كتجربتين ناضجتين يعتد بهما. فتحت شعار"كل بدعة ضلالة"وحماية الدين وسد باب الذرائع جرى استدراج الأمة نحو عقود من الاستبداد والقهر، وتحت عنوان الخوف من المسميات الجديدة مثل الاشتراكية والديموقراطية والعلمانية، أمكنت إطالة عهود الاستبداد واللعب بمقدرات الأمة. فلذلك كان البناء الثقافي التحتي صلداً رافضاً لكل ما هو جديد جراء هذا التخويف وذلك الارهاب، وما نشهده في الدول الثلاث الآنفة الذكر يجب علينا تجاوزه بشكل من الأشكال. فالدولة الدينية في ايران تقف أمام مأزق الوصاية على الشعب باسم الدين، والطائفية في لبنان جعلت منه مرتعاً خصباً للصراعات الداخلية والخارجية وعدم قيام أحزاب، وعدم وجود امكانية لتداول السلطة في الكويت جعل من تجربتها مراوحة في المكان نفسه لا أكثر. للدولة كل الحق في اختيار نظامها الاقتصادي بما يقتضي تحقيق مصالحها، ولكن لا بد من حياديتها أمام البناء الديني والطائفي والقبلي للمجتمع إذا ما أرادت ولوج بوابة الديموقراطية أو تهيئة الجو العام المناسب لها. كما لا بد من التسليم بأن الديموقراطية ليست عقيدة ترفض المجاورة والتساكن مع الموجود أياً كان نوعه أو شكله الثقافي أو الاجتماعي، وهناك العديد من المفكرين والسياسيين الذين يؤكدون أن الاسلام يستطيع التعايش مع الديموقراطية حيث أنه يضمن الحريات العامة وحق تقرير المصير وحماية الأقليات أي ان العلمانية ليست ضرورية لقيام الديموقراطية. ومن هؤلاء المفكرين والدارسين السياسيين الشيخ راشد الغنوشي وحسن الترابي في حين أن هناك العديد ممن يرون في ذلك افتراضاً لم تثبت صحته بعد وأن الديموقراطية ضرورة حياتية دنيوية والأديان جميعها تضمن الحريات وحقوق الأقليات وأنه بمجرد أن تضع الدولة لنفسها ديناً فإنها تنضوي بالتالي تحت لواء الدولة الدينية. فالحوار لتحقيق الديموقراطية في بلادنا العربية يتطلب فهم الدين بصورة تجعل منه باعثاً على التطور وتأخذ بتغير الزمان والمكان وبما لحق بالأمة طوال عهود الاستبداد والطغيان عبر تاريخها الطويل، كما لا بد من التمييز بين الدين كأصل والفكر الديني عبر تقلب التاريخ، فالفكر الديني ليس هو الدين بالضرورة وإن جرى الخلط بينهما والاعتقاد بأنهما شيء واحد. والواقع يقول إن الديموقراطية هي من باب الولوج الى العصر والإسلام في الأساس يهدف الى تحقيق مصلحة الإنسان في أي مكان من بقاع العالم. فالإسلام يمكن أن يتعامل وبسلاسة مع مفاهيم كالعلمانية والديموقراطية وغيرهما من المفاهيم التي تدرجت تاريخياً عبر مجتمعات ومراحل عدة وأخذت صوراً ومعاني عدة، فهي ليست على شاكلة واحدة في كل المجتمعات، وإنما عمّلت فيها ثقافة كل مجتمع على حدة الكثير من التدخلات بحيث تتكيف مع الواقع المعاش كي يمكن بالتالي انتاجها محلياً بحيث لا تصبح عبئاً على المجتمع وثقافته أو عضواً غريباً يزرع في جنباته بحيث يلفظه ولا يستكين له. * كاتب من قطر