أن يغار الزوج على زوجته، أمر طبيعي وشائع ومألوف ترحب به الزوجة وتجد فيه تعبيراً عن الحب اذا لم يتجاوز حدود المعقول ويتخذ منحى مرَضياً يهدد علاقة الزواج في صميمها. أما أن يغار الزوج من زوجته، فقصة أخرى تنسج فصولها في أوساط الزيجات التي تعرف فيها المرأة نجاحاً يطغى أحياناً على نجاح الرجل. وقد يكون هذا النجاح محققاً داخل الأسرة حين تحظى الزوجة بثقة الأولاد وتبدو علاقتهم بها أكثر قرباً فيزاود الزوج إحساس بالغبن وأحياناً بالتهميش إذ تلقى على كاهله تبعات العمل وتأمين المداخيل الأساسية لحياة الأسرة في حين تتولى الزوجة غالباً إدارة هذه المداخيل وتحظى أيضاً بعاطفة الأولاد وثقتهم. هذا النوع من الغيرة يتلاشى مع الوقت بفضل ذكاء الزوجة وحسن تقريبها للمواقف وتضييق الهوة بين الأب والأولاد، واذا عجزت عن ذلك بعض الأحيان فالوقت يتكفل بذلك. لكن ثمة نوع آخر من الغيرة، حديث المنشأ، يتزامن تناميه مع دخول المرأة الحياة العامة وتحقيق النجاح المهني. قد يتفهم الزوج ويقبل أن يكون الأولاد على مسافة أقرب من الزوجة فهي في النهاية، الأم ومدبرة المنزل والمشرفة على كل شاردة وواردة في قضايا الأسرة والأولاد، أما أن تتوغل في ميدان كان حكراً عليه على مدى قرون وتحقق تفوقاً عليه أو على الأقل تميزاً عنه فهذا ما يحرك عملية التوازن والاستقرار في الحياة الزوجية ويتجه بها في منعطفات متعددة الاتجاهات. بعض الأزواج يستجيبون لتحدي تفوّق الزوجة فيضاعفون الجهد لمساواتها فتتحول الغيرة منها انجازاً علمياً أو مهنياً يوطّد صلات الزواج ويجعله مؤسسة في حال تطور دائم. عماد، على رغم اعتزازه بالشهادة الجامعية العالية التي نالتها زوجته وجعلتها استاذة في احدى كليات الهندسة، لم يستطع أن يسيطر على شعوره الضمني بأن موقعه الاجتماعي يتراجع مقارنة بموقعها، إضافة الى أن دخلها المادي تجاوز دخله وهو الاختصاصي في مجال المحاسبة. لكنه أدرك كما يعترف بصراحة، بعد نوبة غيرة داهمته أن"استسلامي لهذا الشعور سوف يقضي علي وعلى استقراري النفسي ويهدد أسرتي الحديثة بالانهيار، فحوّلت شحنات هذا الشعور الى حماسة مضاعفة في العمل ما جعلني أحقق نجاحاً طيباً ودخلاً يفوق دخل زوجتي. أعاد هذا النجاح ثقتي بنفسي ما جعلني أطوي صفحة المنافسة المهنية بيننا واحترم خصوصية تجربتها... لها نجاحها ولي نجاحي". وشكلت حيازة نجاح شهادة أعلى من شهادة زوجها حافزاً له لأن يتابع دراسته ويحصّل شهادات أعلى. يقول بلا حرج؟"أعترف أن زوجتي ساعدتني كثيراً كي أنجح في تحصيل شهادتي. كانت تشرف مباشرة على درسي... اننا نعمل في المجال ذاته!". لكن الغيرة من الزوجة لا تترجم دائماً مبادرات ايجابية بل غالباً ما تتخذ منحى مرضياً يتجسد عنفاً كلامياً أو حتى جسدياً خصوصاً اذا كان الزوج يشعر بأنه لم يحقق في عمله النجاح الذي يصبو اليه. تقول إيمان:"حين نكون معاً هو زوج حنون ورقيق، لكن ما ان نتواجد في مجتمع الأهل والأصدقاء حتى تتلبسه شخصية أخرى مغايرة تماماً. لا يكفّ يلقي الأوامر ويوجّه الي الملاحظات وكأنه يتعمد الإثبات للآخرين انه هو صاحب القرار في المنزل على رغم أن شهادتي العلمية أعلى من شهادته وأتبوأ مركزاً مهنياً أرفع من مركزه... وحين ألفت نظره بلباقة يغضب ويرفقني بنظرات شذر تنبئني بأن إشكالاً جدياً سيندلع من دون مراعاة أي أصول! فأذعن لانتقاداته خوفاً من الأسوأ... هذا الأمر يحرجني ويجرحني ويباعد بيني وبينه ويجعلني أرسم علامات استفهام كثيرة حول مستقبل زواجنا!". أما ماجد فلا يتوانى عن اللجوء الى العنف الجسدي مع زوجته لإفهامها أنه الأقوى على رغم كل نجاحاتها المهنية وإخفاقاته هو. والغيرة من الزوجة المشهورة شائعة جداً في الوسط الفني وإليها يعزو الكثيرون من أهل الفن أسباب وفرة الطلاق في حياتهم. ما هو تفسير علم النفس لهذا الأمر؟ إعتاد الرجل منذ مئات السنين على أن يكون هو"قائد الأسرة"يلحق به سائر أفرادها: الزوجة أولاً ثم الأولاد. هو الأكثر علماً والأكثر إنتاجاً وكلما تعزز هذا الدور انتعشت ثقته بنفسه وتصالح مع تقاليد المجتمع. شكّل هذا الواقع إرثاً معنوياً وأخلاقياً وإجتماعياً يتحرك داخل إطاره ومنه يستقي قيمه وصورته عن ذاته وعن دوره في أسرته وفي مجتمعه. غير أن دخول المرأة ميدان الحياة العامة والعمل وتحقيق نجاحات متصاعدة أحدث تغييراً جوهرياً في هذا الواقع، فلم تعد الزوجة في المفهوم الحديث للحياة الزوجية، ذلك التابع بل أصبحت الشريكة في تأمين دخل الأسرة وفي قراراتها... لكن هذا التغيير لا يزال حديث العهد، لم يتحول جزءاً من النسيج الفكري والقيمي للرجل، لذلك يشكل تفوّق الزوجة أو تميزها مقارنة به في أي حقل، كان تاريخياً جزءاً من مملكته الذكورية، أزمة حقيقية له هي في الواقع أزمة ثقة بنفسه وتعبير عن خوفه من فقدان دوره وموقع سلطته. وما الموقف العنيف الذي يبدر عنه أحياناً سواء بالكلام أم بالتصرف ليس إلا دفاع لا واع عن النفس تجاه من يتراءى له أنها مصدر الخطر أي الزوجة. حين يغار الرجل على زوجته أو منها انما يعبّر عن مكانتها في حياته وأهمية دورها في إرساء مصالحته مع ثقته بنفسه ومع محيطه. فإذا وجد في هذه الغيرة تحدياً له لإعطاء أفضل ما عنده، كانت خير شعور. أما اذا تملكت منه واستفزت رجولته وحوّلته مريضاً بالدونية وفقدان الثقة بالنفس تفجرت عنفاً وقوّضت أسس الحياة الزوجية ودفعتها الى حافة الانهيار!