كشف مستشار لدى صندوق النقد الدولي وخبير في مجال الاستثمارات الدولية عن الآثار الكارثية التي قد تلحق بالثروة العالمية، بسبب الاختلال المزمن والخطير الذي تعانيه الولاياتالمتحدة في ميزان مدفوعاتها الخارجية، مؤكداً في دراسة تحليلية نشرتها المؤسسة الدولية هذا الأسبوع أن انخفاض سعر صرف الدولار ومؤشرات الأسهم والسندات الأميركية بمقدار 10 في المئة سيكبّد دول العالم خسائر تصل إلى 5 في المئة من القيمة الاجمالية لنواتجها المحلية. وبلغت قيمة الناتج العالمي، باستثناء أميركا، في العام الماضي 31.947 تريليون دولار، ما يعني أن الخسائر المترتبة على عملية تصحيح مفاجئة تخفف من حدة اختلال ميزان المدفوعات الأميركي تزيد على 1.597 تريليون دولار. لكن المستشار لدى صندوق النقد فرانسيس وارنوك نبه من أن هذه الخسائر المروعة تطاول فقط الثروة العالمية المستثمرة في الأسهم والسندات الأميركية وكذلك السندات العالمية المقومة بالدولار، أي"الاستثمارات المحفظية"التي تشمل نصف الثروة العالمية المستثمرة في أميركا والمقدرة بنحو 13 تريليون دولار. ونشط صندوق النقد أخيراً في التحذير من مخاطر عجز الحساب الجاري الأميركي، ويعمل حالياً على التحضير لمشاورات متعددة الأطراف هدفها، بحسب ما أعلن المدير العام رودريغو دي راتو،"التركيز بأسلوب جماعي وشمولي، على مسألة الاختلالات العالمية". ويشارك في هذه المشاورات التي تعتبر الأولى من نوعها الدول والمجموعات الاقتصادية الرئيسة وهي منطقة اليورو والولاياتالمتحدة واليابان والصين والسعودية. وبلغ المعدل السنوي للعجز الأميركي نحو 800 بليون دولار في الفصل الأول من عام 2006. وترافقت دراسة وارنوك أيضاً مع تزايد الأصوات المحذرة من آثار عجزي أميركا التجاري والمالي على سعر صرف الدولار وأسواق المال. وخلص الاقتصادي لورانس كوتيلكوف، في دراسة أصدرها المصرف الفيديرالي في سان لويس في نشرته للشهر الجاري، إلى أن"أميركا، إن لم تكن في حال إفلاس حقيقي، فهي تسير في طريق الافلاس"، لافتاً إلى أن"فجوة الالتزامات غير الممولة"التي فرضت نفسها على واشنطن بسبب تراكم العجوزات واستنزاف فوائض برامج التأمينات الاجتماعية"تقدر بنحو 66 تريليون دولار، ما يعادل خمسة أضعاف الناتج المحلي وضعفي الثروة الوطنية للولايات المتحدة". وزاد وارنوك الطين بلة بأن شدد على أن انخفاض أسعار أسهم وسندات الدولار بمقدار 10 في المئة، بل وحتى 20 في المئة، لا يعكس سوى نظرة"محافظة"في شأن الآثار المترتبة على حدوث عملية تصحيح"غير منتظمة"للاختلالات العالمية، مشيراً بذلك إلى اعتقاد عدد كبير من الاقتصاديين الأميركيين، بأن إعادة عجز ميزان المدفوعات الخارجية الأميركي إلى مستوى مقبول يتطلب خفض سعر صرف الدولار عن مستواه الحالي بمقدار 20 في المئة. لكنه أشار إلى أن تقديرات الخسائر المحتمل أن تلحق بالثروة العالمية، تتوقف على مدى تأثر العملات الوطنية للمستثمرين، من مصارف مركزية وأفراد، بسعر الصرف العام للدولار أي سعر الصرف مقابل سلة تضم عملات الشركاء التجاريين للولايات المتحدة. وسجل هذا السعر العام انخفاضاً تدريجياً بلغ مقداره بين بداية شباط فبراير 2002 وأيار مايو الماضي 14.8 في المئة قبل أن يتقلص قليلاً إلى 13.6 في المئة في بداية الشهر الجاري. وللمقارنة بلغ مقدار انخفاض سعر صرف الدولار مقابل اليورو في الفترة نفسها 22.3 في المئة. ولاحظ وارنوك أن انخفاض سعر صرف الدولار ومؤشرات الأسهم والسندات الأميركية بشكل متزامن"يبدو احتمالاً مستبعداً"لكنه حذر من أن الولاياتالمتحدة تختلف عن بقية الدول إذ إن الاستثمارات الأجنبية وبسبب ضخامتها، تملك قدرة كبيرة على التأثير في أسواق السندات الأميركية، منبهاً من أن اتخاذ الاستثمار الأجنبي قراراً مفاجئاً بالانسحاب من هذه الأسواق من شأنه أن يؤدي إلى تحليق عائد السندات وتدهور سعر صرف الدولار. وتشكل السندات الأميركية، خصوصاً الطويلة الأجل منها أكثر من سنة، الأداة الاستثمارية الأشهر والأكثر رواجاً عالمياً، وبلغت حصيلتها من الاستثمارات الأجنبية المحفظية في العام الماضي 4.2 تريليون دولار. واستوعبت هذه السندات 72 في المئة من استثمارات الدول النامية مقارنة بپ52 في المئة فقط في حال الدول الصناعية. وتنفرد الدول الخليجية مع عدد قليل من دول العالم مثل ايطاليا وسنغافورة وكندا بتخصيص ثلث استثماراتها المحفظية للسندات الطويلة الأجل وتوزيع البقية على الأسهم والسندات القصيرة الأجل. وكشفت تحليلات وارنوك عن أن الدول النامية ستتعرض لخسائر أكبر قليلاً من تلك التي يمكن أن تصيب الدول الصناعية من جراء انخفاض الدولار ومؤشرات الأسهم والسندات الأميركية بمقدار 10 في المئة، حيث توقعت أن تصل خسائر الأولى إلى ما يعادل 4.3 في المئة من القيمة الإجمالية لنواتجها المحلية، مقارنة بپ3.9 في المئة في حال الأولى.