أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    المملكة تشارك بالاجتماع الخامس لكبار المسؤولين الإنسانيين حول أوكرانيا    الأهلي يواصل انتصاراته بثنائية في شباك العروبة    انعقاد الجولة الثانية من المشاورات السياسية السعودية - السويدية    الدحيل القطري يعلن تعاقده مع النجم المغربي حكيم زياش    رسميًا.. الشهري يقود الاتفاق حتى نهاية الموسم    تكرّيم 30 منشأة بجائزة العمل في دورتها الرابعة    بعد تدخل الوسطاء.. إسرائيل تتراجع وتحدد موعد إطلاق الأسرى الفلسطينيين    أمريكا: نمو الاقتصاد يتباطأ بأكثر من المتوقع    الأمير خالد بن سلطان يتخلى عن مسؤولياته ويشارك في سباق الأساطير    السلطات الأمريكية: لا ناجين من حادثة تصادم الطائرات    شراكات جديدة بين هيئة العلا ومؤسسات إيطالية رائدة    سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى 12415.49 نقطة    الأمين العام لمجلس الشورى رئيسًا بالتزكية لجمعية الأمناء العامّين للبرلمانات العربية    ليندو السعودية تحصل على 690 مليون دولار أمريكي من جيه بي مورغان    القيادة تهنئ أحمد الشرع برئاسة الجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية    تتيح لهم حضور الجلسات القضائية بالصوت والصورة.. «العدل» تُطلق مبادرة خدمات السجناء    ما هي أسعار البروبان والبوتان لشهر فبراير ؟    حرس الحدود بمنطقة عسير يحبط تهريب 450 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    استشاري طب نفسي: 10% من مشاهر شبكات التواصل مصابين بالانفصام    بعد ساعات من تنصيب الشرع.. أمير قطر في دمشق    تجمع القصيم الصحي يفوز بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية السعودي 2025    أمانة القصيم تستعرض إنجازاتها لعام 2024 بإبرام عقود استثمارية    أعضاء مجلس الإعلام الرياضي بضيافة مهرجان التمور بالاحساء    "مفوض الإفتاء بمنطقة حائل":يلقي عدة محاضرات ولقاءات لمنسوبي وزارة الدفاع    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم مبادرة " تمكين المرض"    ترامب يأمر بإعداد منشأة في قاعدة غوانتانامو لاحتجاز 30 ألف مهاجر غير شرعي    الديوان الملكي: وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    وزارة الشؤون الإسلامية تقيم يومًا مفتوحًا للمستضافين في برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة    الأرصاد: سحب رعدية ممطرة على مرتفعات مكة والجنوب وأمطار خفيفة بالرياض والشرقية    المفتي للطلاب: احذروا الخوض في منصات التواصل وتسلحوا بالعلم    سيراً على الأقدام .. المستكشفة «موريسون» تصل العلا    لأول مرة.. إطلاق التقويم المدرسي برياض الأطفال والطفولة المبكرة والتربية الخاصة    «بينالي الفنون» يُثري زواره بكنوز الحضارة الإسلامية    مجمع الملك سلمان العالمي يُطلق «تقرير مؤشر اللغة العربية»    عشر سنبلات خضر زاهيات    البهكلي والغامدي يزفان "مصعب" لعش الزوجية    إعلان أسماء الفائزين بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام للعام 2025    المملكة تؤكد دعمها لاستقرار وتنمية اليمن    محمد المنجم رئيس نادي الشباب ل(البلاد): هدفنا التتويج ب «كأس الملك».. و «الليث» عائد بين الكبار    وسط حضور فنانين وإعلاميين .. الصيرفي يحتفل بزواج نجله عبدالعزيز    سوق التذاكر الموازية !    مختبر تاريخنا الوطني    غداً.. محمد عبده يُجسد فلسفة الخلود الفني على مسرحه في الرياض    «الجوازات» تستقبل المعتمرين في ينبع    «السياحة الثقافية».. عندما تصبح الفنون جواز السفر    وزير الموارد البشرية يكرّم 30 منشأة فائزة بجائزة العمل في نسختها الرابعة    أمير حائل يناقش خطط القيادات الأمنية    بوتين: المفاوضات مع أوكرانيا ممكنة دون زيلينسكي    خطورة الاستهانة بالقليل    الإرجاف فِكْر بغيض    حسام بن سعود يستعرض مشروعات المندق    شخصية الصرصور    إطلاق حملة للتبرع بالدم في الكورنيش الشمالي بجازان    الشيخوخة إرث وحكمة    انطلاق مؤتمر السكري والسمنة في جدة «5 فبراير»    قبائل الريث تعزي الأمير عبدالعزيز بن فهد في وفاة الأمير محمد بن فهد    أهالي الشرقية ينعون الأمير محمد بن فهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشرق الأوسط الجديد ... من الزرقة إلى السواد !
نشر في الحياة يوم 29 - 10 - 2011

المتأمل في الوضع القانوني الدولي اليوم لا يملك إلا أن يذرف الدمع على الجهود الدولية التي بذلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية وأدت إلى قيام المنظمة الدولية المنوط بها حفظ السلم والأمن الدوليين لتفادي نشوب حروب مستقبلية. فالعالم اليوم يُجَرُ إلى حروب إقليمية بسبب عقلية خرقاء تتحكم بالبيت الأبيض الأميركي.
فمن الحرب المدمرة في أفغانستان إلى غزو كامل للعراق ثم حرب ثالثة في لبنان ورابعة في فلسطين والطريق لم ينته بعد! تأتي هذه الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة أصالة أو تقوم بها إسرائيل بالوكالة لأجل حماية المصالح القومية للولايات المتحدة، إلا إن الولايات المتحدة تزعم أنها إنما تبني"شرقاً أوسطاً جديداً"من ضمن مزاياه القضاء على"الإرهاب"وإرساء قواعد لحريات وديموقراطيات جديدة لشعوب المنطقة.
ففي ربيع عام 2002 أعلن وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول أن الولايات المتحدة لن تسمح بتكرار أحداث الحادي عشر من أيلول 2001. وتبعاً لذلك فإنه خلال عشر سنوات ستتغير خارطة الشرق الأوسط برمته. معالم الشرق الأوسط الجديد التي لم يفصح الوزير السابق عن حقيقتها لا تصريحاً ولا تلميحاً، لم يعرف لها لون ولا طعم ولا رائحة. جاء هذا التصريح مرة أخرى معدلاً على لسان رئيس الولايات المتحدة ذاته بعد غزو العراق باسم خلق"شرق أوسط كبير"ليشير إلى أن الولايات المتحدة تريد أن تبسط يدها بطريقة مباشرة على ثروات المنطقة وتحدد مسار سياساتها.
بدأ لون الشرق الأوسط الجديد يتبين بعد الغزو الأميركي للعراق حين قامت الولايات المتحدة بخرق لا يقبل الجدل للمادة 24 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أنه"ينبغي على كل الدول أن تمتنع عن اللجوء إلى استخدام القوة في علاقاتها الدولية"، وتعتبر هذه المادة في رأي القانونيين الدوليين عصب القانون الدولي المعاصر الذي لولاه لسهلت استباحة استخدام القوة في العلاقات الدولية، فكانت أول ملامح هذا العهد الجديد أن قانون القوة فوق قوة القانون.
ثم بانت ملامح الشرق الأوسط الجديد في ردة فعل المقاومة العراقية حين أخذت المقاومة بالمقولة المعروفة"ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"بعدما فشل القانون الدولي في رد الحقوق الى أهلها. ولكن طعم هذا"الجديد"بدا مرّاً للغاية اذ يشهد العراق اليوم حرباً أهلية مدمرة يقتل فيها العشرات يومياً ويتحمل وزرها من أشعل فتيلها.
اليوم ومع تصريح وزيرة الخارجية الأميركية الأخير في اعتبار ما يحدث في لبنان وفلسطين من قتل وتدمير وإهراق لدماء الأبرياء بمثابة ولادة عسيرة ل"شرق أوسط جديد"تبينت رائحة الشرق الذي بشر به الوزير الأميركي السابق في أن المنطقة مقبلة على حروب لن تُرى نهايتها حتى تأذن الولايات المتحدة بذلك. وأن هذه الرائحة النتنة ليست مقصورة على الأعداء كما في العراق، لكنها قد تطال الأصدقاء أيضاً.
ولعل الولايات المتحدة نسيت في خضم الانشغال بتسهيل أمر الولادة أنها أسدت يداً الى عدوها الأول اللدود الذي من أجله خلقت هذا العالم الشرق أوسطي الجديد. فحربها ضد"الإرهاب"في العراق الذي بانت فيه معالمه الاولى ساهم في جمع"الإرهابيين المسلمين"من كل مكان وجمع صفوفهم، تماماً كما فعل الاتحاد الاتحاد السوفياتي من قبل، وهو أمر لم تكن القاعدة لتقدر على القيام به لولا فضل الولايات المتحدة بغبائها المحكم. فما هي إلا برهة قصيرة حتى ولدت مقاومة"زرقاوية"، فسخت أيدي العرب والمسلمين لدعم"الجهاد ضد الصليبيين"، كما انهالت جموع الشباب المتحمس والمحبط أصلاً من كل حدب وصوب وقبلتهم"بلاد الرافدين"وهدفهم"دحر القوات الأميركية أو الحور العين".
غني عن القول أن الأمر في فلسطين ولبنان يسير في الاتجاه نفسه، وأنه إذا لم تصلح الأمور - ويبدو أنها سائرة في ذلك الطريق بسبب إرهاصات الحروب التي تلوح في الأفق - فإن هناك اليوم أرضاً خصبة لإنتاج آلاف الزرقاويين والبن اللادنيين.
اليوم يبدو من الواضح أيضاً أن الهجوم الإسرائيلي على لبنان قد وحد الصف اللبناني الذي كان متفرقاً، فلبنان بمختلف طوائفه يقف اليوم صفاً واحداً أمام الولايات المتحدة وإسرائيل. بل إنه ليس من المبالغة القول أن العالم العربي اليوم قد توحدت نظرته من الولايات المتحدة بسبب وقوفها المباشر مع إسرائيل. فقد بدا اليوم لرجل الشارع العربي أن المسألة لم تعد مجرد اغتيال رئيس وزراء سابق تشكل من أجله لجنة تحقيق دولية، ولم تعد مجرد اغتيال دولة بأسرها يروح ضحيتها شعب كامل من القتلى والجرحى والمشردين، المسألة اليوم هي اغتيال أمة بكاملها، المسألة هي اغتيال الشرق الأوسط المنعوت بالقديم لكي يستبدل بالمولود الجديد، ولكن إذا ما اكتمل هذا الاغتيال، فلن تفلح معه لجان تحقيق المنظمات الدولية كلها.
يأتي هذا الاغتيال في عالم فقد صوابه: فالأمم المتحدة تعلن على لسان"أمينها"الذي لم يعد أميناً على ما اؤتمن عليه أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من الميثاق، وهو خير من يعلم أن الدفاع عن النفس المنصوص عليه في الميثاق مقصور على حالة وقوع الدولة تحت هجوم من قبل دولة أخرى، كما نصت عليه المادة نفسها:"ليس في هذا الميثاق ما يمنع الدول فرادى أو مجتمعين من استخدام الحق الطبيعي لها في الدفاع عن النفس حين تعرض إقليمها لهجوم"والتركيز هنا على لفظ"حين تعرض إقليمها لهجوم"وأما بعد انقضاء الهجوم فلا يعتبر دفاعاً عن النفس ولكن هناك وسائل أخرى حددها الميثاق كاللجوء إلى مجلس الأمن لاتخاذ الخطوات القانونية الدولية المناسبة.
وأما المنظمة العربية الإقليمية الكبرى فكانت مشغولة بمبادرة سلام كانت هي الأخرى تعسرت في ولادتها ثم تبين بعد أربعة أعوام على ولادتها أنها ولدت ميتة. فتم نعي المبادرة التي أقرها مؤتمر بيروت عام 2002، من على منبر الجامعة العربية قبل أسبوعين، ولو أنصفت الجامعة لنعت نفسها إلى الأمة العربية.
المواقف المذلة تتوالى من أمة بإمكانها أن تمسك بزمام أمورها بدل أن تستميت لإرضاء خصومها، فالمقدرات الاقتصادية والعسكرية والسياسية بإمكانها أن تعيد هذه الأمة إلى الصدارة في اغماضة عين لو أحسن استغلالها.
ولكن، إذا كانت الولايات المتحدة تظن أن حرب الإبادة هذه على لبنان ستقضي على حزب الله وستكون فرجاً في عالم الشرق الأوسط الجديد، فإن الدروس القريبة تعلمنا أن هذه الحرب لن تقضي على حزب الله إلا كما قضت الولايات المتحدة على طالبان والقاعدة في أفغانستان والعراق! وبالتالي فإن المولود المنتظر قد تطول ولادته في أحسن الأحوال!
وأما في أسوأ الأحوال فإن الولادة قد تتم أسرع مما يتوقع وقد تتمكن الولايات المتحدة من الحصول على شرف بناء شرق أوسط جديد حقاً، لكن يبدو أن هذا الشرق الجديد لن يكون متلائماً مع ما تريده الولايات المتحدة منه. اذ قد يأتي المولود زرقاوياً آخر أو ربما يأتي سوداوياً فينتقل الشرق الأوسط من الزرقة إلى السواد، فهل الولايات المتحدة مستعدة لذلك؟
* حقوقي دولي - الرياض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.