من زمان ، كانت ألعاب التسلية مختلفة عما هي عليه اليوم. وأقلّه، لئلا نغوص في الاختلافات، أن الألعاب القديمة كانت تترك مطرحاً لجموح الخيال... ولعلّ هذا القول مجرّد رأي نابع من حنين. ومن الألعاب القديمة، لعبة"وقعت الحرب على...". دائرة كبيرة تُرسم على الأرض وتقسّم قطاعات، يحمل كل منها اسماً لبلاد: روسيا، الصين، أميركا، إنكلترا، إيطاليا... هي الدول الكبرى التي كان الصغار يعلنون الحرب عليها، في الماضي وقبل مجيء"مورتال كومبات"وپ"ميدل أوف أونور"، ألعاب الكومبيوتر التي تفرض أن تكون مع القوي. يقف"المهاجم"في وسط الدائرة ويصيح:"وقعت الحرب على..."، فيفرّ المحيطون به، كل من القطاع الذي يحتله، سريعاً. ينتظر"المهاجم"قليلاً أو لا ينتظر، ثم يصرخ اسم البلاد التي سيشن الحرب عليها، فيجمد الولد الذي ينادى باسم"بلاده". ثم يقدّر"المهاجم"عدد الخطوات التي سيقطعها ليصل إلى"الولد - البلاد"، ويعلنه بوضوح. فإذا اجتاز المسافة بعدد الخطوات المقدّر، يكون ربح الحرب، وإلاّ يكون خسرها. ثم تعاود الكرّة وتظلّ هذه الحروب دائرة حتى يحين وقت الطعام أو الدرس أو يدبّ في الأطفال التعب أو يتسرّب إليهم الضجر. الذين لم يولدوا في حروب أو يعيشوها، يظلّون لا يعرفونها حتى تأتي إليهم. ويبقون معتقدين بأنها تشبه اللعبة المسلّية أو التضارب بالأيدي والحجارة في قرية أو شارع، يتطوّر، أحياناً، إلى تراشق ببنادق الصيد، نادراً ما يحصد ضحايا. ثم تجيء الحرب لتمتحن خبرة البشر في القتل والموت أو تعزّز استعدادهم لهما، وتروح. وبعد فترة نسيان، يعود الأولاد إلى"وقعت الحرب على...". لكنهم هذه المرة، يغيّرون أسماء القطاعات في الدائرة لتمثّل من أساء إليهم... فهل من قطاع في دائرة الحرب الكبرى، يحمل اسم بلاد لم ترتكب سوءاً بعد؟