بعد التصعيد الاسرائيلي الضخم والمفاجئ في لبنان خلال الأسبوع الماضي، بدأت استراتيجية وتكتيكات الدولة العبرية تتضح بشكل أكبر. كما يزداد وضوحاً مدى الدور السوري-الايراني عبر الأسلحة التي يدخلها حزب الله يومياً الى ساحة المعركة. أما بالنسبة الى الدور الأميركي، فيتضح أيضاً عبر ترسانة الأسلحة الذكية التي زودت بها اسرائيل خلال العام الماضي، إضافة الى القرار الأخير لواشنطن بمد اسرائيل بكميات من مادة الفيول التي تستخدم كوقود لطائراتها الحربية. ويُشار الى أن واشنطن ولندن ما زالتا تعيقان تقدم المحادثات الدولية بهدف التوصل الى وقف لاطلاق النار في لبنان. اذاً، هدف العملية العسكرية الاسرائيلية هو تدمير"حزب الله"أو تقليص قوته بحيث يتحول الى تنظيم سياسي من دون أي دور عسكري يذكر. وسخرية القدر هو أنه بين عامي اثنين وثمانين وألفين كان"حزب الله"يقود عمليات المقاومة بهدف ارغام اسرائيل على تطبيق قرار مجلس الأمن 425 الذي يدعو اسرائيل الى سحب قواتها من الأراضي اللبنانية. أما اليوم، فان اسرائيل هي التي تخوض المعركة بحجة تطبيق قرار مجلس الأمن 1559 الذي يدعو الى تجريد الميليشيات في لبنان من سلاحها ونشر الجيش على طول الحدود الاسرائيلية في جنوبلبنان. وبغض النظر عن موقف القوى اللبنانيةودمشق من لبنانية مزارع شبعا، فإن الموقف الدولي واضح، وهو أن اسرائيل ليست المعتدية هذه المرة وتمارس حقها بالدفاع عن النفس لكن"بقوة مفرطة"، بحسب بعض المسؤولين الأوروبيين. وعملت اسرائيل خلال الأيام الأخيرة على تحقيق الأهداف العسكرية الآتية: 1. ضرب مركز القيادة والسيطرة ل"حزب الله"، وخصوصاً في منطقة ضاحية بيروتالجنوبية. وتعتقد الاستخبارات الغربية بأن"حزب الله"يملك شبكة من الأنفاق والتحصينات تحت الأرض، وتحديداً تحت المباني التي كانت تضم مراكز الأمانة العامة والشورى والاعلام وتلفزيون"المنار"وغيرها من المنشآت التي دمرت خلال الأيام الأخيرة. كما تعتقد هذه المصادر بأن هذه الأنفاق تحتوي على صواريخ"غراد"بعيدة المدى وأسلحة مهمة أخرى. 2. تدمير الجسور والطرقات الرئيسية التي تربط المناطق اللبنانية من الشمال حتى الجنوب، ومن الشرق حتى الغرب، ومهاجمة الطرقات الرئيسية في استمرار من أجل شل حركة مقاتلي"حزب الله"قدر المستطاع. 3. تدمير أجهزة الرادار البحرية والجوية كافة من أجل منع"حزب الله"من استغلالها. 4. شن هجمات برية صغيرة ومحدودة عبر الحدود وذلك لامتحان دفاعات"حزب الله"البرية وقراءة استراتيجيته الدفاعية، تمهيداً لهجوم بري شامل يجري الاعداد له، وذلك بحسب مصادر اسرائيلية مطلعة. 5. قصف البنية التحتية اللبنانية وأهداف مدنية أخرى خارج مناطق انتشار"حزب الله"والقوى المؤيدة له وذلك من أجل تصعيد الضغط على الحكومة اللبنانية والفئات اللبنانية الأخرى لتوسيع الانشقاق داخل الصف اللبناني ودفع غالبية اللبنانيين لرفض الوجود المسلح ل"حزب الله"في شكل أقوى وأكثر علانية لإفقاد المقاومة شرعيتها الداخلية. 6. محاولة تحديد أماكن تخزين صواريخ"حزب الله"في شكل أدق. فما زال حزب الله منيعاً للاختراقات الاستخباراتية الاسرائيلية التي لا تعلم حقيقة حجم ترسانة صواريخ الحزب وأنواعها وجميع أماكن تخزينها. وتستخدم اسرائيل وسائل الرصد المتطورة لديها من طائرات من دون طيار وأقمار صناعية لتحديد أماكن اطلاق الصواريخ ونوعها، وذلك لتكوين فكرة أوضح عن الأماكن المحتملة لتخزينها من أجل التعامل معها. 7. تكثيف الضغط الهجومي على"حزب الله"بهدف الحد من حريته باطلاق كميات كبيرة من صواريخه باتجاه المستوطنات من أجل تقليل الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، وتقليص حجم أي معارضة داخلية للعمليات العسكرية الاسرائيلية في لبنان. أما"حزب الله"، فانه يحاول لعبة أوراقه في تأن وبطء ليدخل السلاح الجديد تلو الآخر كلما شعر بتدن المعنويات في صفوف مقاتليه ومناصريه واللبنانيين. لكن هذه الاستراتيجية ناجحة طالما أن هناك أسلحة جديدة ذات فاعلية ملموسة، إذ أن مفعولها ينتهي بمجرد خلو جعبة"حزب الله"من المفاجآت. ويبدو أن الحزب يعول كثيراً على المواجهات البرية المرتقبة مع القوات الاسرائيلية على الأرض اذ يشعر بأن مقاتليه سيكونون أكثر قدرة على نصب كمائن مكلفة للمدرعات الاسرائيلية وخصوصاً اذا صح امتلاكه صواريخ ايرانية الصنع موجهة ومضادة للدروع مزودة بحشوات مزدوجة لتدمير الدروع الحديثة. والمعلوم أن ايران تصنع صواريخ تعتبر نسخاً عن الصواريخ الأميركية طراز"تاو"و"دراغون"تحت اسماء أخرى وهي"طوفان"و"صاغي". كما تصنع صاروخاً آخر مضاداً للدروع تحت اسم"رعد"وهو نسخة عن الصاروخ الروسي الصنع طراز"ساغر". واستطاعت صواريخ الحزب في مواجهات محدودة خلال السنتين الماضيتين من تدمير دبابات"ميركافا"الاسرائيلية التي تعتبر من أفضل دبابات العالم تحصيناً. وسيؤثر امتلاك الحزب لهذه الصواريخ كثيراً في المواجهات البرية وسيكلف اسرائيل خسائر كبيرة، لكنه لن يغير من نتيجة المعركة اذ أن التفوق النوعي والكمي للجيش الاسرائيلي وتدخل سلاح جوه سيحسم المعركة بالنهاية لمصلحته. وبحسب أشهر المحللين العسكريين في اسرائيل زئيف شيف، فإن المعركة الاسرائيلية الحقيقية لم تبدأ بعد وهو اعتبر في مقالة كتبها بتاريخ 17 تموز يوليو الجاري في صحيفة"هآرتس"أن الهجمات الاسرائيلية حتى الآن ما هي الا مرحلة التحضير للعمليات الميدانية، والتي لم يفصح عنها في شكل واضح. لكن غالبية المراقبين ترجح أن الهدف سيكون تدمير ترسانة"حزب الله"من صواريخ الكاتيوشا التي يُقدر عددها بحوالي عشرة آلاف، والقضاء على أكبر عدد ممكن من مقاتلي الحزب. أما الهدف الرئيسي فهو الصواريخ البعيدة المدى التي كشف عنها"حزب الله"مثل صاروخ"رعد-2"وهو الصاروخ الايراني"شاهين-2"من عيار 333 ميلمتراً. كما أن الصواريخ"رعد-3 و4"، فيرجح أن تكون الصواريخ الايرانية طراز"فجر-3"و"فجر-5"، والتي يصل مداها الى 75 كيلومتراً. ويبقى الخوف الأكبر لاسرائيل وهو امكان امتلاك"حزب الله"صواريخ ايرانية من طراز"زلزال"قادرة على ضرب تل أبيب. وكان زئيف شيف نقل عن مسؤولين عسكرين اسرائيليين أن الصاروخ الذي سقط على محطة قطار حيفا هو من طراز"220 ميلمتراً"وطُوّر أخيراً في المصانع السورية وأُدخل حديثاً في الخدمة في صفوف الجيش الاسرائيلي"ما يدل على أن سورية بدأت تعتبر حزب الله جزءاً من قواتها العسكرية". وهكذا يبدو أن حرب لبنان ستدوم لبعض الوقت، وأن الجهود الديبلوماسية الحالية لا تزال في بداياتها، وخصوصاً مع استمرار تمسك الأطراف المعنية بالنزاع بمواقفها. وبحسب مدير الدراسات العسكرية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى مايكل أيزنستاد، فإن امكان امتداد الحرب الى سورية وايران"أمر منوط بمواقف وتحركات دمشق وطهران في الأيام المقبلة". وأضاف أن ما يفعله"حزب الله"في لبنان أعطى واشنطن وأوروبا والدول العربية مثالاً مصغراً وواضحاً عما قد يواجهونه مستقبلاً في حال تمكنت ايران التي تشاطر"حزب الله"العقيدة والنهج وأسلوب العمل من تطوير أسلحة نووية وامتلاكها. والخلاصة من جديد، أن حرب لبنان ستنتهي على الأرجح بحرب مع إيران. باحث في الشؤون الاستراتيجية