لن يُنزع سلاح"حزب الله"بسرعة بل سيتطلب الأمر مقاربة لبنانية للموضوع عبر تسويات وضمانات دولية في إطار قرار الأممالمتحدة 1559. ف"حزب الله"لن ينضم كلياً الى الحركة السياسية اللبنانية ويتخلى عن اسلحته إلا إذا وجد مصالح وامتيازات كافية للقيام بهذه الخطوة واقتنع بأنها ستكسبه منافع لا تقدمها أية خطوة أخرى. ويستوجب قيام الحزب بهذه الخطوة إصلاحاً حقيقياً للمؤسسة العسكرية بحيث تستطيع استيعاب"حزب الله"بشكل فعلي، وبالتالي نقل قوة الردع التي يختزنها إلى صفوف الجيش. يعتقد"حزب الله"أن رصيده من الانتصارات السياسية والعسكرية يخوله اتخاذ هذا الموقف. وقد يكون هذا هو السبب وراء رفض"حزب الله"نزع سلاحه سلمياً، مع أن هذا القرار يمكن ان يجر لبنان الى نزاع مسلح جديد. فموقف"حزب الله"هذا يمكن أن يدفع الطوائف الأخرى إلى الاستعانة بالمتطرفين في صفوفها. وبحسب تعبير المحلل مايكل يونغ، في حال شعر المسيحيون بأنهم ينزلقون باتجاه هاوية النسيان التي يتعذر الرجوع عنها، من الممكن أن يتخلوا عن لبنان أو يلجأوا الى العنف، أو أن يقدموا على الأمرين في آن معاً. كما أن تعاظم التوتر بين السنة والشيعة في مختلف أرجاء الشرق الأوسط يمكن أن يغري السنة بخيار العنف. من هنا أهمية أن يقتنع شيعة لبنان، ومن بينهم مناصرو"حزب الله"، بأن نزع سلاح الحزب لا يهدف الى تهميش دور الطائفة الشيعية، كما لا يستهدف حصول الحزب على المكاسب السياسية بفضل الإنجازات العسكرية التي حققها في المقاومة ضد إسرائيل. فتقديم"حزب الله"بعض التنازلات واندماجه في الجيش سيساعدانه على إثبات تلاقي نهجه السياسي ومصلحة لبنان. يتمتع"حزب الله"بقدرات عسكرية أثبتت فعالية بالغة في تشكيل نوع من قوة الردع اللبنانية في مواجهة إسرائيل. ومن الملاحظ ان الأساليب الحربية وتقنيات حرب العصابات التي يعتمدها الحزب، كزرع القنابل بمحاذاة الطرق وتسلل المغاوير واختطاف الجنود، واستخدام قاذفات الصواريخ المتحركة التي يسهل التحكم بها وشبكات التجسس والحرب النفسية المعقدة، إنما هي وسائل لا يستعملها الجيش اللبناني، ولربما يجدر به استعمالها. إن في مصلحة كل الطوائف اللبنانية المحافظة على قوة الردع هذه وتحسينها وليس الطائفة الشيعية فحسب، ولربما كان أفضل الطرق للحفاظ عليها هو من خلال نقل تقنيات"حزب الله"وقدراته إلى الجيش. فلن تقتصر العملية بالتالي على دمج ميليشيا في الجيش اللبناني ولا على وضع صواريخ الكاتيوشا التي يملكها"حزب الله"بتصرف قيادة الجيش بل ستتخطى ذلك لتشمل إعادة هيكلة الجيش اللبناني بشكل غير تقليدي وتصميمه بشكل يجعله أشبه بمؤسسة حربية، تتمتع بوحدات مغاوير صغيرة متحركة على غرار وحدات"حزب الله"المقاتلة. وفي حال حصول أي هجوم، يمكن لهذه الوحدات الحربية أن تنكفئ ثم تعود للانتشار وتخترق القوات الدخيلة فتكون بمثابة مقاومة خاضعة لسيطرة الحكومة. ولكن ما من شك ان هذا الجيش الذي سيخضع لعملية أصلاح غير تقليدية، لا بد وأن يكون خاضعاً مباشرة للحكومة ومجلس النواب اللبنانيين اللذين يضمان جميع الطوائف. وسيتعين على المؤسسات السياسية الشرعية أن تعلن الحرب و السلم، أو تأمر بالرد عند الحاجة. كما يجب أن تكون هذه السيطرة السياسية محددة بوضوح في الدستور. يسعى"حزب الله"الى تحقيق هدفين: الأول هو تحرير الأراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة، والثاني مرتبط بالقضية الفلسطينية وإيران. وستتضمن التنازلات التي عليه تقديمها تخليه عن دوره الإقليمي والانضمام إلى عملية سلام محتملة مع إسرائيل، عندما ترى الحكومة اللبنانية الوقت مناسبا لذلك. كما يجب أن تمر العلاقات الرفيعة المستوى مع إيران عبر المؤسسات الرسمية اللبنانية. وبالتالي يجب أن يكون تمويل إيران ل"حزب الله"أساساً لتطوير العلاقات الثنائية بين ايرانولبنان ولا سيما بين وزارتي الدفاع والشؤون الاجتماعية. أما التمويل العسكري فيجب دمجه ليصبح جزءاً من ميزانية وزارة الدفاع اللبنانية باعتباره إعانة خارجية للمؤسسات العسكرية، فيما يمكن استخدام الدعم اللوجستي والعسكري الإيراني لتحسين التقنيات الحربية للجيش اللبناني بعد اعادة هيكلته. ولا مانع من درس إمكانية شراء سلاح من الصناعات الدفاعية الإيرانية في إطار العلاقة بين الدولتين. ومقابل هذه التنازلات التي سيقدمها"حزب الله"، يجب أن تتخذ الدولة اللبنانية الإجراءات الديبلوماسية الضرورية للسعي الى رفع اسم الحزب عن قائمة المنظمات"الإرهابية"حسب التصنيف الاميركي. والأهم من ذلك، لا بد أن تقر الطوائف الأخرى أن الشيعة في لبنان سيكسبون نفوذا أكبر داخل الجيش اللبناني، لكنه سيكون جيشاً يتمتع بقوة ردع فاعلة ويقدم إمكانات ديبلوماسية للمفاوضة. ولا بد أن تلبي إسرائيل مطالب"حزب الله" قبل إطلاق أي عملية إصلاح للجيش اللبناني، وأهمها تحرير مزارع شبعا بعد أن أجمع زعماء الطوائف في مؤتمر الحوار الوطني على لبنانيتها، وتحرير جميع سجناء"حزب الله"وعدد كبير من السجناء الفلسطينيين المهمين على غرار ما جرى في إطار صفقة إطلاق الأسرى في كانون الثاني يناير 2004 التي أدت الى تحرير 23 أسيراً لبنانياً وحوالي 400 أسير فلسطيني والحصول على ضمانات واعتراف دوليين بدمج مقاتلي الحزب في الجيش. كما يجب ترسيم الحدود اللبنانية - الإسرائيلية التي يجب أن تنال اعتراف الأممالمتحدة. وبالحديث عن الأممالمتحدة، فقد ثبت أن قراراتها لا تتمتع بقوة ردع كفيلة بحماية لبنان من التعديات الإسرائيلية. وبالتالي، لا بد أن يوفر المجتمع الدولي ضمانات للحماية. ويمكن أن تتضمن إقامة منطقة منزوعة السلاح تتمركز فيها قوة قوية ومؤهلة تابعة للأمم المتحدة. وقد ثبُت أنه يستحيل على الحكومة اللبنانية أن تسيطر على الهجمات الفلسطينية التي يمكن أن تنطلق من الأراضي اللبنانية باتجاه إسرائيل، وبالتالي لا بد من نقل هذه المهمة لتكون من مهمات الأممالمتحدة وقواتها العاملة في الجنوب اللبناني اليونيفيل، وتحميل المجتمع الدولي بالتالي مسؤولية أي هجوم على إسرائيل. * باحث لبناني في جامعة غنت وفي المعهد الفرنسي للدراسات الجيوسياسية.