تحددت أسماء منتخبات الدول الفائزة في كأس العالم لكرة القدم حتى قبل أن تبدأ في ألمانيا: بريطانيا، أنغولا، كوستاريكا، تشيخيا، البرتغال، إسبانيا وبولندا! على الأقل هذه هي نتيجة"بطولة العالم المصغرة"التي جرت في كولن قبل أيام من افتتاح المونديال وضمت أطفالاً وأحداثاً من الدول ال 23 التي تشارك منتخباتها في كأس العالم بدءاً من 9 الجاري، بعد أن خاضوا مباريات حماسية نفخت فيهم في نهايتها مشاعر تشبه تلك التي يعبّر عنها أبطال العالم الحقيقيون. وقال إلن برتكه المسؤول في اتحاد كرة القدم في كولن الذي نظم البطولة المصغرة، ، إن المرء يلمس لدى الأطفال والأحداث"ابتهاجاً حقيقياً يجعله يتنبأ بحجم الحماسة والابتهاج اللذين سيشعان على مدى شهر كامل من جانب مئات الملايين الذين سيشاهدون مباريات المونديال في ألمانيا والعالم أجمع". وإذا كانت مثل هذه التوقعات صحيحة حيث ينتظر مسؤولو اللعبة في مختلف البلدان أن تشجع كأس العالم مزيداً من الشبان والشابات على الانضمام إلى اتحاداتهم ونواديهم، يتزايد قلق المسؤولين الرياضيين والسياسيين الألمان من تطورات سلبية تحدث عشية افتتاح البطولة قد تؤدي إلى افشال الجهود المبذولة منذ سنوات لتعزيز صورة ألمانيا وسمعتها في العالم. ويتمثل هذه القلق في الاعتداءات التي يمارسها اليمين المتطرف والنازية الجديدة على الأجانب والألمان من أصل أجنبي في الأسابيع الأخيرة في أنحاء مختلفة من البلاد وتبدو وكأنها حلقات متماسكة. إلى جانب ذلك تتركز عيون الأجهزة الأمنية الداخلية والخارجية منذ أشهر على التنظيمات الإسلامية المتطرفة لمنعها من تنفيذ أي اعتداءات إرهابية خلال البطولة. وينتظر أن يدخل ألمانيا في فترة المونديال مليون زائر وسائح، يأمل القطاع الاقتصادي بأن ينفقوا مبلغ بليون يورو. وبما أن العاصمة الألمانية هي المركز الرئيس للبطولة إلى جانب مدن أخرى صرفت المؤسسات العامة والخاصة نحو3،5 بلايين يورو خلال السنوات الأخيرة لبناء ملاعب جديدة أو ترميم ما هو موجود منها وتحسين الطرقات وشبكة المواصلات التي تؤدي إليها وتجميل الشوارع والساحات ونشر الشاشات الألكترونية الضخمة فيها لنقل وقائع المباريات مباشرة. كما أنفقت الحكومة نصف بليون يورو لتغطية التكاليف الأمنية الهادفة إلى تأمين السلامة العامة. ويأمل الاقتصاد الألماني في أن تساهم البطولة بنسبة 0،2 في المئة على الأقل في رفع النمو الاقتصادي المتوقع لهذه السنة 1،8 في المئة. وستصل كلفة شراء حقوق بث المباريات من جانب القنوات التلفزيونية إلى 1،11 بليون يورو. كما من المنتظر أن تؤمن البطولة 06 ألف فرصة عمل جديدة يبقى منها نحو 02 ألفاً السنة المقبلة. لكن قبلة التطورات والتحسينات التي أجريت في السنوات الأخيرة تتمثل في"ليرتر بانهوف"، محطة القطارات المركزية الجديدة الضخمة في برلين، التي افتتحتها المستشارة آنغيلا مركل قبل أيام وسط احتفالات جماهيرية ضخمة دامت يومين شارك فيها أكثر من مئة ألف شخص. وبلغت كلفة المحطة الجديدة التي تضم تحت الأرض أنفاقا للقطارات والسيارات بطول يصل إلى 3،5 كلم وتمر تحت نهر"شبري"المتعرج في العاصمة، أكثر من 007 مليون يورو استثمرتها بالكامل شركة سكك الحديد العامة"دويتشه بان". واستغرق بناؤها على الحدود السابقة بين برلينالشرقية والغربية والقريبة من مبنى الرايخستاغ المقر الجديد للمستشارية، 11 سنة. وهي نقطة جذب ومحور تنقلات كل من سيأتي إلى برلين أو يغادرها، ومن المقرر أن يمر فيها نحو 003 ألف شخص يومياً، وستذاع المعلومات والإرشادات في أرجائها ب 71 لغة بينها العربية. وفي ما يتعلق بمواجهة أخطار وقوع أعمال إرهابية خلال كأس العالم، تبدو الحكومة وخبراء الأمن الألمان مطمئنين إلى التدابير والخطوات التي اتخذت لضمان افشال أي اعتداء كبير مشابه لما وقع في نيويورك ومدريد ولندن. فاضافة إلى التعاون الحاصل بين الاستخبارات الألمانية والأوروبية والدولية الصديقة الذي يدخل في اطار مراقبة المشتبه بهم، والعمل الوقائي، وغربلة خلفية كل معلومة تصل، تقررت الاستعانة أيضاً بحلف شمال الأطلسي"ناتو"لإرسال طائرات"أواكس"لرصد المخابرات والاتصالات التي تتم في دائرة تبلغ مئات الكيلومترات. كما أن ألمانيا ستوقف العمل خلال هذه الفترة ب"اتفاقية شنغن"الحدودية لتدقق بكل عابر إليها براً وبحراً وجواً. وسيمنع دخول كل مشتبه به أراضيها سواء كان من الإسلاميين أم من اليمين المتطرف والنازية الجديدة أم ممن يعرفون بال"هوليغنز"، وهم خليط من المشاغبين الخطرين والعنصريين. وقررت السلطات الأمنية الداخلية الاتصال شخصياً بكل مشتبه به لتحذيره مسبقاً بأنه مراقب من قبلها، وتسيير آلاف دوريات الشرطة في الشوارع والساحات وتكثيف العمل في أجهزة التصوير الخفية، واللجوء إلى وحدات محددة من الجيش في حالات الضرورة القصوى. وكل ذلك بهدف إجهاض أي محاولة خارجية أو داخلية لتحويل البطولة إلى حدث إرهابي، أو لتشويه سمعة ألمانيا دولياً والقول بأنها لا تزال بلداً عنصرياً يعادي الأجانب. وإذا كانت الحكومة مطمئنة نوعاً ما إلى قدرتها على منع وقوع اعتداء إرهابي كبير، فهي قلقة من تحركات العنصريين والنازيين الجدد منذ فترة للفت أنظار العالم إليهم وما يمكن أن يحضّروا له في الخفاء. صحيح أن السلطات الأمنية منعت الحزب القومي الألماني نازي جديد من التظاهر في 01 أيار مايو الماضي في مدينة غلزنكيرشن حيث ستقام إحدى المباريات، كما ستمنع تظاهرات يمينية متطرفة في مناطق أخرى، لكنها لن تكون قادرة على مكافحة كل اعتداء يمكن أن يطال الأجانب الذين سيأتون إلى ألمانيا خلال هذه الفترة، خصوصاً كل من له بشرة داكنة، وسيبلغون عشرات الآلاف. ولم يكن التحذير الذي وجهه أحد السياسيين الألمان وأيّده فيه آخرون كثر بعد سجال قصير حوله خاطئاً اذ ذكر أنه لا ينصح أي شخص ذي سحنة داكنة بزيارة بعض الأحياء في ولايتي برلين وبراندنبورغ، لأنه لا يعرف أن كان سيخرج منها حياً. والواقع أن الاعتداءات التي اتخذت طابع الإجرام تزايدت في الولايتين في الأسابيع القليلة الماضية، على كل من هو"غير أبيض"فطاولت فتى أثيوبياً عمره 21 سنة، ومهندساً من أصل أثيوبي كاد يفقد حياته، ونائباً يسارياً من أصل تركي أُدمي من الضرب. كما طاولت في 62 أيار تركياً ولبنانياً وغينياً في برلين، وموزمبيقيين وكوبياً في فايمر في ولاية تورينغن فجرح الكوبي في رأسه ما استدعى نقله إلى المستشفى، وبائعاً هندياً في فيسمار في ولاية مكلنبورغ فوربومرن جرح أيضاً. واعتقلت الشرطة 03 عنصرياً وسجلت إطلاق هتافات نازية ومعادية للسامية ورفع تحية اليد على النسق الهتلري. وتفيد هذه الاعتداءات بوجود مخطط مدروس لتشويه الطابع الدولي المنفتح للبطولة حيث تتلاقي مختلف الأعراق والجنسيات والثقافات، وتؤشر في الوقت نفسه إلى أن تزايدها غير العادي يتزامن مع قرب يوم الافتتاح. وسجل مراقبون أن معظم هذه الاعتداءات تحصل في شرق البلاد حيث تتفشى البطالة وانعدام آفاق المستقبل أمام مختلف الأجيال، خصوصاً الشباب الذين يشكلون اليد الضاربة لمنظري العنصرية القادمين في معظمهم من غرب البلاد. ويشار إلى أن منظمي تظاهرة غلزنكيرشن كانوا ينوون إطلاق شعارات مؤيدة لتصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التي دعا فيها إلى شطب إسرائيل عن خريطة العالم وشكك في محرقة اليهود. وأمام ما أشيع قبل فترة من أن نجاد يرغب في السفر إلى ألمانيا لحضور مباريات منتخب بلاده، أبلغ المسؤولون الألمان إشارات إلى طهران عبر قنوات مختلفة مفادها انهم لا يحبذون مثل هذه الزيارة علماً أن نجاد لم يحسم موقفه بعد. وعشية الاحتفال، يشهد المجمع الأولمبي في ميونيخ أحد أكبر الاحتفالات والاستعراضات تحضره المستشارة مركل وكبار المسوؤلين السياسيين والرياضيين الألمان والأجانب، ويتألق فيه"نجم التينور"بلاسيدو دومينغو وفرق موسيقية عدة ألمانية وأجنبية. وتقام سلسلة من الاحتفالات في المجمع بحضور حاشد. يبقى أن تتحقق أمنية الجميع في تحسّن الطقس وانقشاع الغيوم السود وتوقف الهطول المستمر للأمطار، لتزول الصورة الكئيبة التي عاشتها ألمانيا طيلة الشهر الماضي تقريباً، ولكي يكون للابتهاج أكثر من سبب.