برزت أخيراً مؤسسات مالية تسمى"هيئات تمويل الصادرات"، أو"هيئات ائتمان الصادرات"أو"مصارف الصادرات"أو"مصارف الاستيراد والتصدير"، على شكل دوائر حكومية أو هيئات عامة أو شركات خاصة. وتختلف من حيث طبيعة النشاط ودرجة التخصص وحجم رأس المال المتداول والمدى الزمني للقروض أو الضمانات التي تمنحها مدى قصير ومتوسط ومدى بعيد. وفي إطار التسهيلات الائتمانية للمصدّرين والمستوردين، تقدّم تلك المؤسسات القروض أو التأمين على السلع والخدمات من المخاطر التي قد تواجه المصدرين أو مصارفهم بسبب الظروف غير المتوقعة في إطار آليات التجارة الدولية. وتشمل التسهيلات الائتمانية، التأمين على المخاطر التجارية إفلاس المشتري، التخلف عن الدفع ورفض المشتري قبول البضائع والخدمات المتعاقد عليها... أو المخاطر السياسية إفلاس الحكومة أو القطاع العام أو الضامنين لتلك الصادرات، الحرب والحروب الأهلية والقيود الحكومية على تحويل العملات الأجنبية كمنع تحويل العملات الأجنبية والإجراءات الحكومية المقيدة أو كليهما معاً.... وتستخدم التسهيلات الائتمانية للمصدّرين في تمويل عمليات المدى القصير التي لا يزيد سقف أدائها على 360 يوماً يكون في الواقع بحدود 180 يوماً. أما في المدى المتوسط والبعيد، فيأخذ الائتمان شكلين رئيسيين: ائتمان مورِّدين وائتمان مشترين. الأول قرض يمنح إلى المشتري كجزء من الترتيبات التعاقدية التي تقدمها هيئة الصادرات كغطاء إلى المصدر يكون عادة أقل من قيمة العقد. أما الآلية الأخرى التي تدعى"ائتمان المشترين"، فهي القروض المتوسطة والبعيدة الأجل التي تستخدم في تمويل إنشاء مشاريع البنية التحتية والمشاريع الكبرى الأخرى التي يكون المورِّد الأجنبي طرفاً فيها. وفي مشاريع المدى المتوسط والبعيد، تقوم هيئات الائتمان بتوفير غطاء للمخاطر التي قد تظهر خلال فترة الإنشاء وقبل استكمال المشروع. وفي بعض البلدان كأستراليا وكندا، تقوم هيئات ائتمان الصادرات فيها بالإقراض المباشر للأجانب. وفي كلتا الحالتين، تقوم هيئات التمويل هذه بالتنسيق مع المصارف التي تنوب عن كل من المصدر والمستورد بتنظيم حسن تنفيذ عمليات التبادل السلعي والخدمي وضمانها، في مقابل المدفوعات النقدية التي نص عليها العقد المبرم. وفي عقود المدى المتوسط والبعيد، تكون فترة تغطية المخاطر طويلة، بحيث تصل إلى عشر سنوات أو أكثر في حال بناء محطات كهربائية، كما تصل قيم عقود ائتمانها إلى ملايين الدولارات. بطبيعة الحال، تكون أسعار الفائدة في المدى المتوسط والبعيد أعلى منها في المدى القصير 10 في المئة أو أكثر من كلفة المشروع. وهي بذلك تكون أقرب إلى ضمان دفع منها لبوليصة تأمين. وتختلف النسب باختلاف الهيئات وشمولية المخاطر التي يراد تغطيتها. لكن هل هناك ضرورة أو فوائد كبرى في أن يكون لأي حكومة هيئة ائتمان للصادرات؟ وهل من الأفضل ترك ذلك النشاط للقطاع الخاص؟ من الخطأ الافتراض بأن على كل دولة أن يكون لها هيئة أو مصرف ائتمان للصادرات تابع للقطاع العام من دون الخاص فقط، لأن لديها الرغبة في زيادة التصدير. فزيادة التصدير وحدها لا تعتبر هدفاً استراتيجياً، وإنما تهدف الحكومات من وراء إنشاء هيئات ائتمان التصدير إلى جملة من القضايا ذات العلاقة بالسياسة العامة للحكومة: كالصناعة والعمالة المحلية وسياستها تجاه التدفق السلعي والاستثمارات الأجنبية وكذلك الحاجة الى قيامها بملء الفجوة التي قد يتركها القطاع الخاص في مجال التأمين والتمويل المصرفي. ومن الشروط الأساسية لعمل الهيئات الائتمانية في شكل كفي، هو البنية التصديرية للبلد على أساس المنتج والقطاع واتجاهاتها والشروط الائتمانية الدولية المعمول بها. إلى جانب ذلك، يجب إعطاء أهمية كبرى للإطار المحلي العام الذي تعمل في فضائه تلك الهيئات مثل الوضع التجاري العام ومدى تطور النظام المصرفي وقطاع التأمين. كما أن تحديد السياسات تجاه الأهداف المتوخاة من إنشاء تلك الهيئات والأنظمة التابعة لها، يعتبر هو الآخر غاية في الأهمية. لذلك، من الأهمية بمكان جمع المعلومات التفصيلية عن مدى نجاح نماذج هيئات الائتمان العاملة في البلدان الأخرى وفشلها، نظراً الى أن نجاح نموذج معين في دولة ما قد لا يصلح لدولة أخرى ولا يصلح في الدولة نفسها بتغير الزمن. في ضوء ذلك، يمكننا القول إن هيئات ائتمان الصادرات تمثل أداة تنفيذ تتيح للحكومات استخدامها في سياستها الصناعية وفي التجارة والتمويل وتزيد من الكفاءة التنافسية للمصدرين المحليين في التجارة الدولية، وذلك بدعم المصدّرين وتزويدهم بالثقة وحمايتهم من الخسائر وتوفير خدمات التأمين ضد المخاطر السياسية والتجارية. ولتحقيق ذلك في شكل فاعل، يجب توفير المعلومات التفصيلية عن الصادرات المحلية وعن الهيئات الخارجية العاملة في مجال التصدير بما يحقق قاعدة معلومات تخدم جميع الأطراف ذات العلاقة بالتجارة الخارجية. كما يجب توفير الخبرات في الجوانب الفنية التي لها علاقة بالتجارة الخارجية والتمويل، وكذلك توفير البرامج التدريبية للمصدرين والمصارف العاملة في مجال التصدير والتمويل. وفي حال عدم إحكام كفاءة إنشاء تلك الهيئات وتوفير مستلزماتها الفنية، فإنها قد تكون وسيلة لإشعال حرب ائتمانية مع هيئات أخرى عبر الدول، من خلال تقديمها قروضاً رخيصة وتسهيلات مبالغاً فيها. وبذلك تصبح العملية"بيع ائتمان"أكثر منها بيع سلع وخدمات. لذلك كان على الهيئات تشجيع الممارسات التنافسية والانخراط في تشجيع الائتمان التجاري وليس توفير الإعانات. إن على البلدان العربية الساعية الى اللحاق بركب القرن الحادي والعشرين، أن توجه سياساتها الاقتصادية نحو تنويع أنشطتها في مجال الإنتاج السلعي والخدمات ذات الميزة النسبية وتصدير الفائض منها إلى الأسواق العالمية. ولتحقيق ذلك، تحتاج إلى توفير الكثير من المستلزمات الضرورية في مجال التمويل والتجارة، في مقدمها إنشاء هيئات تمويل حكومية أو عامة غاية في التخصص لدعم صادرات مواطنيها في الوصول إلى الأسواق العالمية. * أستاذ جامعي.