يعتبر بعض المتخصصين أن استثمار الأجانب في الأسواق المالية يهدف إلى المضاربة، أي الربح السريع، وهو بالتالي لا يساهم في توليد طاقة إنتاجية جديدة. وهم يستندون في ذلك إلى أن التداول أو الاستثمار في أسواق الأسهم ما هو إلا عبارة عن نقل للملكية من مساهم إلى آخر ولا يضيف شيئاً على الاقتصاد. ويرى آخرون أن دخول الأجانب واستثماراتهم أسواق الأسهم، يساهم في تحرير السيولة أو المدخرات بمقدار مماثل، وأن الأموال المحررة قد تتجه الى الاستثمار وتوليد طاقات إنتاجية جديدة. إن فترة الاحتفاظ بالأسهم هي النقطة المهمة في هذا الموضوع، ففترة احتفاظ المستثمرين الأجانب الأفراد بالأسهم تكون عادة قصيرة ومحدودة، وهم لذلك يدرجون تحت شريحة المضاربين، وبالتالي تعتبر أموالهم ساخنة تدخل وتخرج بسرعة. ولهذا بالطبع تأثيرات سلبية في استقرار الأسواق المالية وارتفاع مخاطرها، ويحذر معظم المتخصصين من الآثار السلبية للتدفقات الرأسمالية الساخنة على البورصات، كونها تدخل وتخرج بسرعة فائقة وبمبالغ مالية كبيرة وفي أوقات غير متوقعة، ما قد يؤدي إلى أزمات تمتد ربما لتؤثر في الاستقرار الاقتصادي. ويحتمل أن تؤدي هذه الأزمات إلى ارتفاع قيمة الأصول بصورة غير مبررة وتزيد حدة المضاربة، ما ينتج ضغوطاً تضخمية من خلال زيادة الطلب الكلي، يمكن أن تؤدي إلى ضغوط على أسعار الصرف وتترك بالتالي تأثيرات سلبية مالية واجتماعية وسياسية. في المقابل، يتميز الاستثمار المؤسسي الأجنبي بأنه استثمار طويل الأجل، إذ يحتفظ بالأسهم لفترة طويلة وتكون قراراته الاستثمارية بالشراء والبيع غير معتمدة على العواطف أو الإشاعات، بل على التحليل المالي والأساسي للاقتصاد وللقطاع الذي تنتمي إليه الشركات. وهكذا تتحقق الاستفادة من فترة النمو التي تشهدها الاقتصادات الوطنية وانعكاساتها الإيجابية على أداء الشركات ومؤشرات ربحيتها. والواقع أن تحولات كبيرة وجذرية حدثت في بعض الأسواق المالية الخليجية خلال عامي 2006 و2005 في مجال الانفتاح أو السماح لغير المواطنين بتملك أسهم الشركات المدرجة في هذه الأسواق. وتتفاوت درجة الانفتاح على الاستثمار الأجنبي في الأسواق المالية الخليجية العربية ما بين الانفتاح المطلق الخالي من القيود، وبين نصف انفتاح وبشروط ونسب معينة. وسمحت معظم الشركات المساهمة العامة الإماراتية خلال السنة الماضية والثلث الأول من هذه السنة للأجانب، بتملك حصة من رؤوس أموالها بعد أن كان تملك الأجانب ممنوعاً لسنوات طويلة. وتفاوتت هذه الحصة من شركة إلى أخرى، فقد سمحت شركات مساهمة عامة عدة للأجانب، سواء كانوا خليجيين أم عرباً أم غيرهم، بتملك 49 في المئة من رؤوس أموالها، وسمح بعضها للأجانب بتملك 20 في المئة. وكان للاستثمار الأجنبي الفردي دور واضح في إشعال نار المضاربة في السوق الإماراتية خلال السنة الماضية، ودور واضح في تعميق حدة تراجع السوق هذه السنة، وبالتالي حاولت بعض المصارف الوطنية الإماراتية تشجيع المستثمرين الأجانب على الاستثمار الطويل الأجل ومن خلال صناديق الاستثمار المشتركة. وفي المقابل سمحت حكومة قطر للأجانب بتملك نسبة 20 في المئة من رؤوس أموال كل الشركات المدرجة في السوق اعتباراً من بداية نيسان أبريل 2005، بهدف رفع مستوى السيولة فيه وزيادة عمقه من خلال توسيع قاعدة المستثمرين. ولعل استباق المستثمرين القطريين تنفيذ هذا القرار برفع غير مبرر للأسعار، أدى إلى إحجام الأجانب عن الدخول وبالتالي تعرض السوق لتصحيحات سعرية قاسية خلال النصف الأول من عام 2005. وسمحت الحكومة السعودية هذه السنة للأجانب المقيمين على أرضها بتملك 20 في المئة من رؤوس أموال الشركات المدرجة في السوق. وأجمع المحللون على أن توقيت الحكومة السعودية بالسماح للوافدين بالاستثمار في السوق لم يكن مناسباً إذ تزامن مع الانهيار الذي تعرضت له السوق وبالتالي أعطى للوافدين الراغبين بالاستثمار فيها انطباعاً وشعوراً بخطورة ذلك باعتبار أن القرار جاء نتيجة رد فعل على ما حدث في السوق من تصحيح قاس وعميق. وطالب عدد كبير من الاقتصاديين في دول الخليج خلال السنوات الماضية السلطات الحكومية بالسماح للعاملين الأجانب المقيمين على أرضها بتملك أسهم الشركات المدرجة في الأسواق المالية، لتوظيف جزء من مدخراتهم بدلاً من تحويلها إلى الخارج، وبالتالي عدم استنزاف جزء من الموارد الوطنية بعد أن أصبحت التحويلات تشكل نسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وتركزت المشكلة التي عانت منها أسواق المنطقة على أن غالبية الأجانب الذين دخلوا الأسواق المالية خلال عامي 2005 وپ2006، هم من شريحة المضاربين الأفراد في الوقت الذي تعاني منه أسواق المنطقة من طغيان الاستثمار الفردي مقابل محدودية الاستثمار المؤسسي، ما ضاعف حجم المضاربة واتساع قاعدة المشاركين بها. ولوحظ بالتالي انتقال كبار المضاربين من سوق إلى أخرى خلال 2005 وانسحابهم من هذه الأسواق خلال النصف الثاني من 2005 وبداية 2006. وكان لذلك بالطبع تأثيرات سلبية في أداء هذه الأسواق. وفي سوق عمّان المالية ارتفعت قيمة مشتريات غير الأردنيين خلال 2005 إلى 2.15 بليون دينار أردني مقابل 380 مليون دينار خلال عام 2004. وارتفعت قيمة مبيعاتهم من 311 مليون دينار عام 2004 إلى 1.73 بليون خلال 2005. وكذلك كان لاستثمارات المضاربين الأجانب تأثيرات واضحة في حركة السوق المصرية سواء في 2005 أو خلال العام الجاري. والاستثمار الأجنبي المحفظي، الذي تشجعه الأسواق العربية باعتباره استثماراً طويل الأجل وذا تأثيرات إيجابية متعددة، يأخذ عادة في الاعتبار عوامل كثيرة عند الاستثمار في أي من الأسواق الناشئة، وفي مقدمها عمق السوق وكفاءتها وسيولتها من حيث عدد الشركات المدرجة، والأدوات الاستثمارية المتوافرة، وعدم تركز التداول على أسهم شركات معدودة، ومستوى الوعي الاستثماري، والالتزام بالمعايير الدولية الخاصة بالإفصاح والشفافية، وإعداد البيانات المالية، ومدى استفادة المطلعين من معلومات داخلية، إضافة إلى معايير وقوانين وأنظمة تضفي الشرعية والعدالة والنزاهة على التعاملات والتداولات في هذه الأسواق وتحمي المستثمرين فيها. * مستشار بنك أبو ظبي الوطني للأوراق المالية.