من الملاحظ أن قضايا النفط، على رغم أهميتها الكبيرة في الاقتصاد الكويتي وحياة المجتمع، لم تلق أهمية سواء من الحكومة أو من المرشحين في الحملات الانتخابية. ولأن أوضاع القطاع النفطي وثروتنا النفطية تواجه أحرج الظروف والأوقات، أرى شخصياً أن من الضروري إثارة هذه القضية في ما تبقى من أيام الحملات الانتخابية كي تتبوأ منبراً متقدماً على جدول أعمال مجلس الأمة والحكومة المقبلين. وأود أن اتناول هذا الموضوع وهذه القضية من خمسة أبعاد أو مزايا: الأول: سكوت الحكومة المريب. وهنا المقصود سكوت المسؤولين عن القطاع النفطي، وعلى رأسهم وزير الطاقة، عن الشكوك المثارة عالمياً في صدقية الأرقام الرسمية المعلنة من الحكومة عن الاحتياطات النفطية، وعدم تقديم أي إيضاحات مقنعة. الثاني: استراتيجية الحكومة لرفع إنتاج النفط الكويتي في السنوات الخمس المقبلة، ومدى ملاءمة هذه الاستراتيجية واتفاقها مع مصالح الشعب الكويتي، ومخاطر استنزاف الاحتياطات في مدة قصيرة. الثالث: الإدارة السيئة للقطاع النفطي التي ما زالت تهمل العناية بالعنصر البشري، فيما يجب أن تحظى التنمية البشرية بأولوية في الكويت عموماً وفي القطاع النفطي خصوصاً. الرابع: أثر ذلك على الاقتصاد الكويتي وحياة المجتمع الكويتي وأجياله المقبلة. الخامس: اكتشافات النفط والغاز التي أعلن عنها، وهل تشكل أهمية كبيرة، كما أوحى بذلك المسؤولون، أم أن الأمر غير ذلك. الاحتياطات النفطية نشرت إحدى الدوريات المتخصصة، وهي نشرة"بتروليوم انتلجنس ويكلي"في عددين متتاليين 23/1/2006 وپ30/1/2006 تقارير تشكك في صدقية الأرقام التي تعلنها حكومة الكويت عن الاحتياطات النفطية للدولة. ونشرنا في"الطليعة"نقلاً عن تلك النشرة مقالات تناولت هذا الموضوع. ومما جاء في نشرة"بتروليوم انتلجنس ويكلي"ان احتياطات الكويت النفطية ليست 100 بليون برميل كما تعلنها وزارة النفط، بل هي نصف ذلك تقريباً أي 48 بليون برميل، نصفها يصنف بأنه احتياطات مؤكدة، أي 24 بليون برميل، قابلة للاستخراج بالتقنيات المعروفة، والنصف الباقي، أي ال 24 بليون الأخرى، يعتبر أو يصنف أنه احتياطات غير مؤكدة أو غير قابلة للاستخراج. وتعرف الاحتياطات المؤكدة بأنها الاحتياطات التي يمكن استخراج 90 في المئة منها، والاحتياطات غير المؤكدة أو المرجحة المحتملة هي التي يمكن استخراج 50 في المئة منها. وأفادت النشرة ان المعلومات التي نشرتها اعتمدت على تقرير داخلي لپ"شركة نفط الكويت"إحدى شركات"مؤسسة البترول الكويتية، وهي الشركة التي تتولى ادارة إنتاج النفط الخام. وهذا التقرير صادر في نيسان أبريل 2001 وبناء على المعلومات التي وردت في هذا التقرير، أكدت النشرة أن وضع الاحتياطات النفطية في الكويت هو كالآتي: 1 - تقدر كميات النفط الموجودة في مكامن حقول النفط بپ168 بليون برميل. 2 - تقدر الكميات القابلة للاستخراج من إجمالي النفط الموجود في باطن الأرض بپ80 بليون برميل، وهذا التقدير مبني على إمكان استخراج 48 الى 50 في المئة من النفط الموجود في المكامن، اذ المعروف أن ليس في الإمكان استخراج كل النفط الموجود في باطن الأرض. 3 - من أصل الكميات القابلة للاستخراج ومقدارها 80 بليون برميل، بلغت الكميات التي أنتجت الى الآن 36 بليون برميل. 4 - قدرت النشرة كميات النفط المتبقية القابلة للاستخراج بنحو 48 بليون موزعة مناصفة بين مؤكدة وغير مؤكدة أو محتملة، أي أن كميات الاحتياطات المؤكدة القابلة للاستخراج هي 24 بليون برميل، والپ24 بليون الأخرى غير مؤكدة أو محتملة. وهذه الأرقام التي أوردتها النشرة تتفق مع ما توافر لي من معلومات قديمة وحديثة مستمدة من تقارير"شركة نفط الكويت"وهي تعطي تقديرات مقاربة لتقديرات"بتروليوم انتلجنس ويكلي"بأن كميات النفط الموجودة في المكامن تقدر بنحو 168 بليون برميل وان 93 بليون برميل منها غير قابلة للاستخراج والباقي احتياطات مؤكدة أو محتملة تقدر بنحو 75 بليون برميل، وتم إنتاج 36 بليون برميل منها والباقي القابل للإنتاج يبلغ نحو 36 بليون برميل. وأفادت نشرة"بتروليم إنتلجنس ويكلي"أيضاً أن الخبراء في النفط يتوقعون صعوبات جسيمة، أي لا يمكن الاستمرار في المحافظة على معدل الإنتاج نفسه. وهذه التقارير نشرت في أوائل هذه السنة، أي قبل ستة أشهر. وإضافة الى ما كتبته"الطليعة"، وما كتبته أنا في مقال في صحيفة"القبس"، وما نشره جاسم السعدون في تقرير"الشال"، وما قدمه النائب أحمد السعدون في سؤال برلماني الى وزير الطاقة طالباً إيضاحات لما نشرته"بتروليوم انتلجنس ويكلي"وپ"الطليعة"، فإن المسؤولين في وزارة البترول والقطاع النفطي لم يقدموا أي إيضاحات، ولم يجب وزير الطاقة الشيخ أحمد الفهد على سؤال النائب أحمد السعدون حتى الآن بحسب علمي، على رغم ما تثيره هذه المعلومات من قلق لكونها تمس ثروة الكويت الأساسية وعماد اقتصادها وحياة المجتمع الكويتي وأجياله المقبلة. وكل ما صدر كان عبارة عن تصريح من رئيس مجلس ادارة شركة نفط الكويت فاروق الزنكي، معلقاً على ما نشرته النشرة، الا ان معلوماته لم تكن دقيقة مئة في المئة بل مجرد إيضاح غير كافٍ وغير مقنع ولا يزيل الشكوك والقلق. استراتيجية رفع الإنتاج وجاء في بيانات الحكومة وآخرها ما عرضه الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية هاني عبدالعزيز حسين في ندوة عقدها"بنك الكويت الوطني"أخيراً ان الخطة المعتمدة لپ"مؤسسة البترول"في شأن انتاج النفط هي رفع الطاقة الإنتاجية من معدلها الحالي البالغ 2.6 مليون برميل يومياً الى ثلاثة ملايين برميل يومياً عام 2010، ثم الى 3.5 مليون برميل يومياً عام 2015 ليصل الى أربعة ملايين برميل يومياً عام 2020. واذا نفذت هذه الاستراتيجية فإن عمر النفط الكويتي في أقصى الأحوال لن يزيد على 30 سنة. واذا أخذنا ما نقلته نشرة"بتروليوم انتلجنس ويكلي"عن الخبراء بأن النفط سيبدأ في الانخفاض في منتصف الطريق، أي بعد إنتاج نصف الاحتياط، فهذا يعني ان معدلات انتاج النفط السنوية ستبدأ في التراجع بعد 15 سنة أو 20 سنة تقريباً. الأثر على الاقتصاد أما الآثار الاقتصادية المترتبة على ذلك، فقد تكون واضحة جداً وقد تنذر بمستقبل قاتم ليس للأجيال المقبلة فحسب، بل ربما للأجيال الحالية، وقد مضى من عمر النفط 60 سنة لم تحقق فيها الكويت الشعارات المرفوعة بتنويع مصادر الدخل. فمن ناحية، تواجه الكويت زيادة في عدد السكان، لأن الزيادة السنوية في السكان الكويتيين مرتفعة بالمقاييس العالمية اذ يبلغ 3.3 في المئة. ومن ناحية أخرى، فإن إنفاق الدولة، الذي هو أساس الاقتصاد الكويتي وعموده الفقري تتزايد معدلاته بمستويات مرتفعة تبلغ 14 في المئة سنوياً. فقد كانت موازنة العام 1992 نحو 3 بلايين دينار، ووصلت الآن الى 10 بلايين دينار، ويتوقع أن تصل الى 25 بليون دينار بحلول عام 2020. وفي هذا الصدد حتى لو ارتفعت أسعار النفط الى 95 دولاراً، وهو أمر غير مؤكد وغير مضمون، فإن صادرات النفط وما تدره من دخل قد لا يكون كافياً لمواجهة حاجات الإنفاق العام للدولة، وهو ما يعني تحديات كبيرة للاقتصاد الكويتي ولحياة المجتمع وأجياله. ادارة قطاع النفط مما يؤسف له أن هذه التحديات جرى إهمالها، الى جانب ما قد يقع من مخاطر محتملة على حياة الكويتيين نتيجة ضعف الحكومة وسوء إدارتها لشؤون الدولة وخصوصاً الاقتصاد. وأكثر القطاعات معاناة في هذا الصدد هو القطاع النفطي الذي لم يشهد استقراراً في ادارته من التأميم، في حين ان هذا القطاع المتقدم كان منتظراً أن يكون رفيقاً للاقتصاد الكويتي. فقبل الغزو تعرض هذا القطاع للنهب والسلب وبعد الغزو واستعادة الكويت لسيادتها واستقلالها تناوب عليه سبعة وزراء هم رشيد العميري، وعلي البقصمي وعبدالمحسن المدعج وعيسى المزيدي وسعود الناصر وعادل الصبيح، وحالياً أحمد الفهد. ويلاحظ ان معدل بقاء الوزير سنتين فقط، وهو لا يكفي لوزير غير متخصص ومن خارج قطاع النفط لأن يفهم ويستوعب المشكلات والقضايا ليتمكن من وضع خطط واستراتيجيات في إدارة هذا القطاع. ولذلك، تعرض هذا القطاع للتغيرات المزاجية وأحياناً المصلحية ما أدى الى ابعاد الكثير من كوادره الكفية. الاكتشافات وبالنسبة الى الاكتشافات التي أعلن عنها أخيراً، فإن ما تم اعلانه من تقديرات غير دقيقة، والهدف هو الهاء الرأي العام عن حالة الضبابية حول الاحتياطات النفطية. فالارقام العلنية هي بحدود 33 تريليون قدم مكعبة من الغاز الذي لا يتجاوز 1 في المئة من احتياطات الغاز في قطر. وهذه الكميات غير كافية حتى لاستهلاكنا المحلي حيث يحتاج قطاع الكهرباء وحده الى نحو 80 أو 100 مليون قدم مكعبة يومياً. وما أسمعه عما يحدث اليوم، يثير الكثير من المخاوف. فقد بلغني ان قطاع الإنتاج سيسلم الى أناس غير أكفياء لدواع سياسية ودوافع مصلحية، وأنه يجري إبعاد عناصر من المهندسين ذوي الكفاءات العالمية ومنهم مهندس نفط ومهندس مكامن لأسباب ومميزات غير واضحة وغير معروفة. هذه التحديات أطرحها للرأي العام الكويتي وللمتنافسين على تبوؤ مركز قيادة الحياة السياسية الكويتية وادارة شؤون أهل الكويت، سواء في المجلس المقبل أو الحكومة المقبلة أو القيادات الادارية المقبلة، أو المجتمع الكويتي وقواعده. نائب سابق في البرلمان الكويتي.