مزيد من القتل والجثث، خراب أكبر، وفساد يتعمم. لا ينقسم العراقيون الغارقون في خلافاتهم، على أن تلك حال بلادهم التي يتخبط الجميع في الدفاع عن مواقعهم فيها ومعهم الاحتلال، استعداداً لمرحلة"أخيرة"تأتي، تنجز فيها حدود مشاريع"العراق الجديد"، وتثبِت الحصص، ضمن الدولة... أي دولة. واذا كان الخبر السعيد للرئيس جورج بوش ولرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أخيراً، قتل"أبو مصعب الزرقاوي"، فكلاهما يعرف أن عشرات من أمثال زعيم"القاعدة"في بلاد الرافدين، ما زالوا يزرعون السيارات المفخخة في قلب الخطة الأمنية لتحرير بغداد من القتل اليومي. ومثلما يدرك بوش ان انتعاش شعبيته في بورصة استطلاعات الرأي في الولاياتالمتحدة، ليس كافياً ليدعه ينام على حرير"الانتصار"الذي تجسد بقتل الزرقاوي، يعرف المالكي أنه ما زال يصارع الأشباح لتثبيت سلطة حكومته، ولو في العاصمة كمرحلة أولى، لتسليم أمنها الى الجيش العراقي. الخبر السيئ للمالكي أن حربه على سطوة الميليشيات لتحرير الدولة وهياكلها من قوى تصادر قرارها في الشارع، ليست أقل عسراً من الحرب على الإرهاب التي نجح بوش عبر الكونغرس في أن يظلّل بها مصير الاحتلال في العراق. ويدرك رئيس الوزراء أن كل الوعود الأميركية، خصوصاً تلك التي أفاض بها بوش حين باغت العراقيين بظهوره في بغداد، لن تجدي مقدار ذرّة في زحزحة القوى المتحكمة بالدولة عبر سيف الميليشيات، عن مشاريعها لرسم كيانات ذاتية لا تذوّب"الحقوق". أليست تلك لغة زعيم"الائتلاف"السيد عبدالعزيز الحكيم الذي أحيا مطالبته بالأقاليم، ولعله جعلها ضمن أولوياته فيما كان يحاور الإيرانيين في طهران"لإقناعهم"بجدوى إحياء مشروع بدء التفاوض مع الأميركيين على"استقرار العراق"؟ استبق زعيم"الائتلاف"مؤتمر دول الجوار الذي تعدّ إيران لاستضافته بعد أيام، كأنه يتمنى أن تبلغ من يعنيهم الأمر تمسكها بالدفاع عن مصالح حلفائها في العراق، ولو تجسد بالذهاب حتى النهاية في دعم"أحلام"الفيديرالية هناك. بل لعل الحكيم أيضاً سعى الى الاطمئنان الى ثبات تحالفه مع طهران، ورغبة القيادة الإيرانية في جعل تلك الفيديرالية بين تفاهمات أي صفقة مع واشنطن، تُنجز تحت مظلة التسوية المقبلة للملف"النووي". حين كان المالكي يفصح عن أولوية فك أصابع الميليشيات وسلاحها عن خناق الدولة العراقية، جاءه الرد سريعاً من الحكيم ان الأولوية هي لمكافحة أيدي الفساد في الدولة وإداراتها. وبديهي ان تتجدد الهواجس وأزمة الثقة، لأن زعيم"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية"لا يرى وسيلة لخلق"توازن"في البلد إلا بتأسيس إقليم للوسط والجنوب، من دون اضطراره ? علناً ? الى العودة لشعار فيديرالية الجنوب... فمعركة تعديل الدستور لم تبدأ بعد، وبين العراقيين من يخشى ألا تبدأ إلا بعد طغيان وقائع جديدة على الأرض، تجعل حجج إضعاف الفيديرالية في النصوص لمصلحة الدولة القوية الموحدة، أضعف بكثير مما في النفوس من احتقان مذهبي. هل أحد في بغداد أو الجنوب أو كردستان الفيديرالية، يملك جواباً عن"لغز"عجز كل القوى الأمنية وقوات الجيش إزاء جريمة"التطهير"التي تتوالى فصولها يومياً، بجز الرؤوس ونثر الجثث على تخوم مشاريع الكيانات الذاتية؟ هل بين الميليشيات من يجرؤ على إطلاق مبادرة لوقف جرائم"تطهير"تكاد أن تتحول حروب إبادة، ظالمة إذ تنحر وحدة العراق، وتخنق كل محاولات الإنقاذ كلما سنحت فرصة؟ بديهي أن تتجدد أزمات الثقة بين القوى التي يُفترض أنها ذللت عُقد وضع حكومة المالكي على سكة السلطة. وبديهي أيضاً أن يضيف تحفظ جماعة الحكيم عن خطة رئيس الوزراء لإعادة ضباط سنّة الى مواقع بارزة في الجيش، أزمة جديدة الى الخلافات، فيما الأميركي لا يعرف حقيقة مغزى وعوده ب"كبح الميليشيات"... بافتراض رغبته في أن يوفي. وحده الحكيم يعرف معنى تعهده اللجوء الى"كل الوسائل"لتسهيل ولادة"اقليم الوسط والجنوب". أما"التوازن"الذي يبحث عنه فلربما لا يبقي شيئاً مما تركته الميليشيات من توازن لدولة المالكي ومشروعه للانقاذ.