الضجيج المرتفع، في هذه الأيام، من كأس العالم لكرة القدم بلغ درجة بات من الصعب معها سماع أصوات أخرى. وفي الأجواء العالمية هذه، قد لا تكون ثمة قيمة فنية للكتابة في كرة القدم من قبل كاتب يحترف التعليق السياسي، إلا انني قررت التجرؤ، والقيام بالتجربة، والكتابة عن كرة القدم في القرن الواحد والعشرين. وأنا أعتقد، كمشاهد ان المنتخبات الوطنية للدول المشاركة في كأس العالم 2006 بألمانيا، اتخذت طابعاً شعاراتياً. فمنذ سنة 1930، وقيام جول ريمه، بإطلاق النسخة الأولى لكأس العالم، وقبلها منذ أواخر القرن التاسع عشر وانتشار كرة القدم من انكلترا، كانت هذه اللعبة تعاني قلة المشاهدين والمتابعين، مقارنة بسائر الألعاب الأخرى. إلا أنها تحولت مع بداية القرن الواحد والعشرين الى واحدة من أكثر الألعاب استقطاباً في العالم. وعندما أتكلم على بعد شعاراتي للمنتخبات الوطنية، أقصد ان كرة القدم، اليوم، بعد أن كانت تنتهج علم الوحدة، تخوض في التمييز العنصري. فالحق أن علم كرة القدم الأوروبي سيطر على الدنيا كلها. وكان هذا سبباً في تقارب مستوى المنافسات الاستثنائية بعضها من بعض، واللجوء الى الأساليب الدفاعية أكثر فأكثر. وانتشار علم كرة القدم كان السبب في تراجع الفرق بين الارجنتين والبرازيل وساحل العاج وكوريا الجنوبية وبريطانيا و... فالخطط كلها، والضربات، وضعت مسبقاً. واللاعبون على معرفة بما يفكر به اللاعب الآخر، بسهولة، لأنه درس ذلك، من قبل، في المدارس الكروية. والنجوم أقلعوا عن القيام بأعمال خارقة. فكل شيء يوحي بهيمنة لون واحد. والعلم الكروي أصبح عالمياً، أو الأصح القول ان علم الكرة الأوروبي بات عالمياً. فحتى فرحة لاعبي هذه الدولة بعد التسجيل تشبه فرحة لاعبي الدول الأخرى. وبعيداً من هذا، فأكثر اللاعبين المتفوقين في منتخبات بلادهم الوطنية، ويسمون بنجوم كرة القدم، يلعبون في نواد أوروبية، ويعيشون في أوروبا، ويصابون فيها ويموتون فيها. ولكن كرة القدم العالمية هذه التي تعطلت، في يوم من الأيام، بسبب الحرب العالمية الثانية، تحولت هذه الأيام الى حادثة أهم من حوادث السياسة في نظر الشعوب. فإذا كان هتلر استضاف دورة الألعاب الأولمبية، في عام 1936، من منطلقات عرقية ونازية، فكأس العالم في 2006 بألمانيا، يشارك فيها البولنديون والأميركيون. ولكن صوت الفلسطينيين بغزة لا يصل الى مشاهدي كرة القدم. فأميركا تعمد، في وقت الاستراحة بين شوطي مباراة، الى بث دعايات تدعو الى تجنيد الشباب في الجيش، وتقدم صورة لجندي يضع يده حول عنق عربي، ويضحك الاثنان معاً. وكأن 300 ألف قتيل في العراق المحتل، في 3 سنوات، لا يهم كثيراً مشاهدي كأس العالم. قد تكون هذه الحساسية المفرطة سببها حمى كرة القدم وجاذبيتها العالية. ولكن السؤال الخفي والمتبقي في ذهني هو التالي: كيف استطاعت كرة القدم أن تكسب هذا الجمهور كله، والحب، في القرن الواحد والعشرين؟ عن صالح اسكندري ، "رسالت" الإيرانية ، 18/6/2006