الأرقام الفلكية التي نسمع عنها كل يوم، وبخاصة في دول الخليج، صارت ظاهرة. ونحن لا يبهرنا رقم بعينه بقدر ما تبهرنا كثرة تلك الأرقام، وتواترها وتتابعها يوماً بعد يوم، فنحن نرى ان معدل النمو في دولة الإمارات العربية المتحدة تجاوز 23 في المئة عام 2005 وذلك بالأرقام الفعلية. وحيث ان الزيادة السكانية تصل الى نحو 8 في المئة سنوياً، فإن معدل دخل الفرد سواء كان مواطناً أم مقيماً ارتفع بمعدل 16 في المئة عن عام 2004. وهذا إنجاز كبير بكل المقاييس. وسمعنا كذلك ان عدد الركاب الذين استخدموا مطار دبي عام 2005 بلغ نحو 25 مليون راكب، منهم 60 في المئة ترانزيت، والباقون كانوا يقصدون إمارة دبي ودولة الإمارات، وإذا استمر معدل النمو في عدد الركاب على حاله، فإن رقم الپ80 مليوناً الذي وُضع كهدف للمطار خلال عشرة أعوام سيكون قابلاً للتحقيق، وهذا يعني ان مطار دبي سيصبح واحداً من اكبر مطارات العالم من حيث عدد الركاب وعدد الطائرات. وكذلك سمعنا ان مستوردات الأردن عام 2005 تجاوزت سبعة بلايين دينار، او ما يساوي عشرة بلايين دولار وأكثر قليلاً وهو نمو كبير جداً بالقياس الى عام 2004. ورأينا صادرات الأردن تتخطى حاجز 2.1 بليون دينار، أو ما يساوي 3 بلايين دولار تقريباً. ونسمع ان المملكة العربية السعودية تتمتع بوفر مالي بالعملات الأجنبية يفوق 200 بليون دولار، وأن دخلها السنوي سيتجاوز الپ220 بليون دولار. وأنها ستنفق نحو تريليون دولار على الاستثمارات الجديدة في المدن الجديدة والبنى التحتية خلال السنوات العشر المقبلة. وكذلك الحال في ابو ظبي التي ستنفق اكثر من 100 بليون دولار على قطاع الإنشاءات والمباني في السنوات المقبلة. ونتحدث عن ارقام مشابهة في دولة قطر، وقلما يمر يوم لا نسمع فيه ارقاماً مذهلة عن حجم الاستثمار والإنفاق والإدخار على مستوى القطاعين العام والخاص في دول الخليج. ولست هنا في صدد الحديث عن التضخم في الأسعار وتكاليف المعيشة، ولا عن التحول الاجتماعي الكبير، ولكن الأهم من هذا كله هو ان دول الخليج بحاجة الى سكان مواطنين أكثر. وواضح ان جميع دول الخليج تشجع الإنجاب والزواج بهدف زيادة الديموغرافيا الوطنية. ولكن في المقابل نرى ان الزيادة الكبرى الحاصلة في أعداد السكان تجنح نحو غير المواطنين، وبخاصة من الدول الآسيوية. وهذا أمر ينطوي في المدى القصير على أرباح، ولكنه يحمل في ثناياه على المدى الطويل التهديدات الكبيرة بضياع الهوية الديموغرافية، وقد رأينا أمثلة كثيرة على ذلك في العالم. وقد يبدأ الأمر في التفكير بتوسيع عضوية دول مجلس التعاون لتشمل كل الدول في شبه الجزيرة العربية. والجمهورية اليمنية تكون بذلك المرشح الأقوى. وبذلك تضيف اليمن الى سكان دول الخليج من المواطنين نحو 22 مليون نسمة. ونحن نعلم ان اليمن فيها عمالة فائضة وقابلة للتدريب ومُجرَّبة على مستوى الوطن العربي وفي العالم. وكذلك فإن في اليمن كثيرين من المستثمرين البارعين الذين أثبتوا وجودهم في آسيا وأفريقيا والولايات المتحدة. وأما الخطوة الثانية، فإن في إمكان دول مجلس التعاون عقد اتفاقات صداقة مع بعض الدول المجاورة لها على غرار ما يفعله الاتحاد الأوروبي مع بعض الدول القريبة منه قبل أن تتمتع بكامل عضوية الاتحاد. وهذا ما فعله الاتحاد الأوروبي مع كل من الدول العشر الأخيرة التي انضمت الى عضويته، ومع الدول التي ينوي أن يضمها اليه مستقبلاً مثل أوكرانيا ورومانيا وبلغاريا وتركيا. وليس ضرورياً أن يمنح مجلس التعاون العضوية الكاملة للدول التي يعقد معها اتفاقات صداقة، ولكنه يمنحها ويمنح مواطنيها الحق في العمل والاستثمار والعيش في دول الخليج متمتعاً بكل المزايا من دون أن يكون له حق المشاركة السياسية. وهكذا تصبح منظومة دول مجلس التعاون أكثر عروبة، وأقل عرضة للمخاطر الخارجية. واذا كانت دول مجلس التعاون تريد أن تعزز من وسائل التعاون الأمني في ما بينها، فإن انضمام دول أخرى إليها بطرق مختلفة يعزز تلك المشروعات الأمنية لدول الخليج كلها. ويجوز لدول مجلس التعاون أن تصدر قوانين جنسية أكثر مرونة من تلك المطبقة حالياً، حيث يشترط بعضها مرور 25 سنة على الإقامة قبل التقدم بطلب الجنسية، ولكن هذه السياسة قصيرة النظر. فدول مجلس التعاون بحاجة الى كثير من الكفاءات المتميزة في مجالات الأعمال، والهندسة والاستثمار وتستطيع منح الكفاءات العالية الجنسية لأن استقدام شخص متفوق متميز يعني تأمين مركز متميز بأكلمه. ويمكن منح هؤلاء الجنسية من دون شرط إقامة قبل منحها. وفي هذا كسب كبير لهم. وكذلك، فإن خطوة وزير التربية الاماراتي الجديد في السماح للطلاب العرب، المقيمين بالدراسة في مدارس الحكومة بدلاً من حصرها في المواطنين هي خطوة تربوية واقتصادية واجتماعية في الاتجاه الصحيح. آن لدول مجلس التعاون أن تضع خططاً تعطي فيها الاستثمار في رأس المال البشري الخطوة ذاتها التي يتمتع بها الاستثمار المالي على الأقل... وفي هذا استكمال لأهم نقص في بنية الخليج الاقتصادية والسكانية والديموغرافية. * خبير اقتصادي،"البصيرة للاستشارات"