العراق نموذج للديموقراطية العربية، والبصرة نموذج للديموقراطية العراقية، وعصابات القتل في دارفور تضع شروطاً على الأممالمتحدة ومنظمة الوحدة الافريقية، مع عجز عربي فردي وعام، ثم هناك مصيبة الفلسطينيين بعضهم ببعض مع مصيبتهم باسرائيل. الوضع في العراق لا يزيد على دوامة قتل وفشل، وإذا أخذنا البصرة نموذجاً نجد ان الاحزاب فيها تحولت الى ميليشيات، ثم الى عصابات تتنافس على سرقة النفط، وتهدد المواطنين. أما دارفور حيث قتل مسلمون مئتي ألف مسلم، فمصيبة كبرى تراوح مكانها مع بقاء ميليشيات القتل في مواقعها. غير انني أكتب اليوم عن الفلسطينيين، فهم يواجهون عدواً نازي الصفات شرساً منذ عقود، خسروا كل مواجهة معه وهم متحدون، فقرروا ان يواجهوه هذه المرة بالاقتتال في ما بينهم. أدين فتح وحماس معاً والجهاد الإسلامي، وأحملهما معاً المسؤولية عن الاقتتال الداخلي، وأقول انهما يقومان معاً بمهمة اسرائيل نيابة عنها، ويثبتان بفصاحة عربية أصيلة ما عجزت عن اقناع العالم به، وهو ان الفلسطينيين ربما كانوا لم يرشدوا بعد، ولا يستطيعون حكم أنفسهم بأنفسهم. أدين جرائم اسرائيل كل يوم، وقد دنتُ الحرب الأميركية على العراق، وتهديد ايران وغيرها، غير ان هذا مجرد رأي، أما في موضوع فتح وحماس، فإنني أدين أصدقاء أعرفهم وأتعامل معهم منذ سنوات، وقد حاولت دائماً ان أساعدهم، الا ان السكوت عن الاقتتال الداخلي والقتل والتخريب يعني التواطؤ فيها، أو المشاركة، ولن أفعل هذا. منذ أسبوعين والأخبار من الأراضي الفلسطينية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وبعد عمليات الخطف المتبادل ومهاجمة مقر أمني في غزة، ومعركة في رفح، وستة قتلى وتسعة جرحى بحسب تقرير لمركز الميزان، قُتل هذا الاسبوع اثنان وجرح 15 والأرجح ان يزيد عدد الضحايا قبل صدور هذا المقال، وانتهينا بمسلحين من فتح يهاجمون مقر رئاسة الحكومة والبرلمان في رام الله، ويتلفون أجهزة الكومبيوتر، تماماً كما فعلت اسرائيل عندما هاجمت وزارات السلطة الفلسطينية وأحرقت ودمّرت أجهزة الكومبيوتر. فتح أقوى في الضفة الغربية. وحماس أقوى في غزة، والفلسطينيون ينفذون نيابة عن اسرائيل مهمة تقطيع أوصال الدولة المستقلة التي يبدو انها لن تقوم طالما ان الفصائل الفلسطينية تعمل لاسرائيل، أدركت أو لم تدرك. كيف نستطيع ان نرد على ايهود اولمرت، وهو يكذب في لندن، ويواصل الكذب في باريس، بعد ان كذب في واشنطن، وكيف ندين مجزرة الشاطئ في غزة ومجزرة الصواريخ على السيارة بعدها، والمسلحون الفلسطينيون من الحكومة والمعارضة يرتكبون الجرائم السياسية والأمنية نفسها التي نتهم بها اسرائيل؟ ليس الأمر انفلات حبل الأمن يوماً أو يومين، فالمواجهة بدأت بعد ظهور نتائج الانتخابات، واستمرت تتصاعد حتى وصلنا الى الاستفتاء على الدولتين في 26 من الشهر المقبل الذي يريده الرئيس محمود عباس وأنصاره ولا يريده رئيس الوزراء اسماعيل هنية ومحازبوه. وأستطيع ان أكتب بحرية لانني في لندن، غير ان الصحافيين الفلسطينيين يتعرضون للأذى على يدي فتح وحماس، وقد دانت لجنة حماية الصحافيين في بيان لها من نيويورك الأسبوع الماضي هذه الاعتداءات، بما فيها تخريب مقر تلفزيون فلسطين في رفح، وضرب العاملين فيه، وإحراق ثلاث سيارات لتلفزيون"الجزيرة"في رام الله بعد اتهام فتح وحماس له بالانحياز ضدهما معاً، ما يعني انه غير منحاز. نحمد الله على وجود أجانب يدافعون عن الفلسطينيين من اعتداءات فصائلهم عليهم. وكنتُ سجلت شاكراً في هذه الزاوية جهد جماعات يهودية حاولت منع اقرار الكونغرس قانوناً يعاقب الفلسطينيين على ديموقراطيتهم، وربما أزيد اليوم شكر جماعة ماشسون الاسرائيلية، وهذه تتألف من نساء اسرائيليات يراقبن الحواجز الاسرائيلية ويسجلن الاعتداءات على الفلسطينيين ويحاولن منعها. هناك حوالى 400 امرأة اسرائيلية في جماعة ماشسون ينظمن"دوريات"كل منها تضم ثلاث نساء يقمن بنوبة من سبع ساعات لمراقبة الحواجز، والدفاع عن الفلسطينيين في وجه الاضطهاد، على رغم ما يتعرضن له من إهانة وشتم وبصق من المستوطنين وبعض الجنود. هل نطلب من هذه الجماعة ان تشكل دوريات جديدة لحماية الفلسطينيين بعضهم من بعض؟ مرة أخرى، الفصائل الفلسطينية تقوم بعمل اسرائيل نيابة عنها، وتنفذه في شكل أفضل مما فعلت اسرائيل حتى الآن، وهي أفقدتنا جميعاً الحجة في الدفاع عن القضية وأهلها، فلا اقول لفتح وحماس سوى انهما اذا خسرتا أمثالي فلن يبقى لهما صديق في العالم. الوضع العربي ساقط من العراقوالبصرة، الى دارفور، والى الضفة والقطاع، وحيث هناك قضية او مواجهة كبرت أو صغرت. وكما فقدت حجتي الفلسطينية أخشى ان أفقد حجتي الاسلامية وأربعة من نواب جبهة العمل الاسلامي في الأردن يعزون بالارهابي أبو مصعب الزرقاوي، ويصفونه بأنه"الشهيد المجاهد". هو ارهابي قاتل، وكل من يدافع عنه مثله، وقد تظاهر أهل ضحاياه في الأردن احتجاجاً في صوت العقل والانسانية العربي الوحيد منذ أشهر وسنوات، الا انني أخشى ان يكون هذا الصوت هو ذلك الشذوذ على القاعدة... أو القاعدتين، قاعدة الارهاب وقاعدة النظرية المعروفة.