في عالم الأغنية لا يوجد مكان للكسالى الذين يظنون أن الشهرة التي جاءت إليهم على طبق من عسل أو طبق من تعب، ستحميهم وتغطيهم بلحاف الطمأنينة والاستقرار الفني والإعلامي. في الوقت الراهن، من الصعب أن يبقى المطرب أسير هذا الكسل، خصوصاً المطرب الخليجي الذي اعتمد لسنوات عدة على مدخول الأعراس الخاصة التي يغطي فيها كل مصاريفه، وقد يكوّن منها ثروته أيضاً. اليوم، جاء من ينافس هذا المطرب وبقوة. هناك جيل جديد من المطربين الخليجيين وغير الخليجيين الذين اصبحوا مطلوبين في تلك الأعراس، في ظل حضورهم الإعلامي المكثف والمدروس والمنظم. كما قد تأتي المنافسة من أصوات عربية عاشت في الخليج وتشربت اللهجة والروح والإيقاع وطريقة الأداء... اليوم، لا مكان للاتكاليين الذين ينتظرون أن تأتي كعكة"الجماهيرية"إلى عقر دارهم. في الوقت الراهن، تغيرت المقاييس. الأغنية الواحدة التي تشهر الفنان وتجعله في الصفوف الأولى، لم تعد كافية لتبقيه في تلك الصفوف. هناك أمثلة كثيرة عن فنانين وفنانات بذلوا جهداً وجددوا وسايروا الموجة واحتلوا مركزاً كبيراً في فضاء الأغنية، لكنهم لم يتكاسلوا أبداً. لنأخذ مثلاً نجوى كرم... عندما طبقت شهرتها الآفاق العربية بأغنيتها الشهيرة"أنا ما فيّ"، لم تقف عند هذا الحد بل واصلت وواصلت وواصلت ثلاثاً، وربما تكاسلت حيناً، لكنها عادت إلى جهادها وقدمت أعمالها بروح جديدة وبعطاء شبابي ناضج. على فناني الخليج أن يأخذوا من نجوى كرم مثالاً جيداً في الحركة، لأن في الحركة بركة، وفي الكسل فشل وملل. "نجوى تصور أغنية جديدة... نجوى تطل في البرنامج التالي... نجوى تشارك في حفلة ضخمة... نجوى تعقد مؤتمراً صحافياً... نجوى تتنقل هنا وهناك... تتحرك إلى حيث فنها". ونجوى كرم مثال للكثير من النماذج الفنية اللبنانية النشيطة مثل تحديداً نانسي واليسا وهيفاء وأمل حجازي ووائل كفوري وراغب علامة، بالإضافة إلى المطربة السورية أصالة وغيرهم من الأسماء. أما بالنسبة إلى الفنان الخليجي، فهو يرتكب خطأً فاضحاً حينما يظن أن القاعدة الجماهيرية الخاصة التي كونها من بعض أغانيه، تريحه من مهمة البحث عن جمهور آخر. كما يخطئ حينما يظن أنه يتميز بخصوصية خليجية وأن رأس المال الفني الخليجي يتحكم إلى حد ما بالحركة الفنية في منطقتنا، ويقدر بالتالي أن يؤمن له التسويق الجيد، ويفرض اسمه على وسائل الإعلام. لكن هذا المطرب نسي أننا اليوم نعيش في عصر الانفتاح الإعلامي وسطوة الفضائيات الغنائية التي تقدم مادتها من دون تفرقة أو عنصرية. هي تبحث عن كل ما هو ناجح، سواء كان هذا الفنان من دبي أو صفاقس... من دون تفرقة أو جوازات. لذا اصبح لزاماً أن يكثف الفنان الخليجي حضوره، ويعد العدة إعلامياً للمنافسة مع الآخرين. بحسب قراءتي البسيطة للواقع، أرى أن القطار فات كثيرين منهم وانعكس ذلك على مبيعات الكاسيت وعلى الرسائل القصيرة التي أصبحت معياراً لانتشار الفنان ونجاحه. نجوى كرم لن يفوتها القطار لأنها وقفت في مقدمته... وهي، عبر الجهد الذي تبذله، تحترم جمهورها واسمها. أخيراً، يدل تحرك نجوى كرم الفني على تواضع جم، لأن الكسل يعكس الغرور. الفنان الذي يتكاسل في خدمة فنه، يظن انه نجح ولم يعد بحاجة إلى التحرك... الطيور تطير بأرزاقها والفنانون الخليجيون ينامون في بحر العسل... ويا خوفي من الغرق!