"ما أشبه الليلة بالبارحة" كما قال الشاعر العربي طرفة بن العبد. ففي الذكرى الثامنة والخمسين لنكبة فلسطين في سنة 1948، مازالت الدول الغربية تواصل سياستها المنحازة الى جانب اسرائيل، المُتنكرة للحقوق المشروعة لشعب فلسطين. هذه السياسة كانت منذ نشأة القضية الفلسطينية سنة 1917، سبباً في نشوء أخطر صراع إقليمي ودولي عرفته منطقة الشرق الاوسط عبر تاريخها الطويل، وأدى الى نشوب حروب عدة بين أطرافه، ولم يزل مستمراً من دون حل يوفر الأمن والسلام لهذه المنطقة الحيوية من العالم. فقد سارعت الولاياتالمتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي الى فرض حصار سياسي واقتصادي على الشعب الفلسطيني اثر تشكيل حركة"حماس"للحكومة الحالية بعد فوزها في الانتخابات التشريعية التي جرت في كانون الثاني يناير الماضي بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني الجديد. ووضعت هذه الدول شروطاً مسبقة وغير متوازنة لفك الحصار واستئناف الاتصالات مع الحكومة الفلسطينية أهمها: 1- الاعتراف بإسرائيل وحقها في الوجود. 2- التخلي عن مقاومة الاحتلال الاسرائيلي ونبذ العنف. 3- الالتزام بتنفيذ خطة خريطة الطريق من دون شروط. 4- عدم وضع شروط مسبقة او المطالبة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتأجيل ذلك الى مفاوضات الحل النهائي. واذا قبل الفلسطينيون بهذه الشروط، يكونون قد تنازلوا عن كل الأوراق التي في أيديهم مقابل وعود ومشاريع وهمية لا نهاية لها، ولم تسفر عن أي تقدم ايجابي ملموس نحو السلام العادل طوال السنوات الماضية. وليس جديداً أو غريباً ان تتخذ الدول الغربية مثل هذا القرار، وطالما قدمت الدعم السياسي والمساعدات الاقتصادية الى اسرائيل بغير حساب، ما جعلها تتمادى في ارتكاب أبشع الجرائم في حق الفلسطينيين والعرب طوال خمسين عاماً ونيف. ولم يشذ عن نهج هذه السياسة المنحازة لاسرائيل، إلا فرنسا في عهد فارسها النبيل الرئيس الراحل شارل ديغول الذي ادان العدوان الاسرائيلي على البلاد العربية في 5 حزيران يونيو 1967. ولم يكتف بهذه الإدانة فقط بل فرض حظراً آنذاك على تصدير السلاح الى اسرائيل. والأعراف الإنسانية ومبادئ الاخلاق التي أقرتها الأممالمتحدة تطالب الدول المذكورة بأن تقدم الاعتذار للشعب الفلسطيني بدلا من أن تعاقبه بفرض الحصار الظالم عليه، لأن الوثائق الرسمية الصادرة عن حكومات هذه الدول تؤكد أنها كانت السبب الأول في المأساة التي يعاني منها الفلسطينيون منذ قرن من الزمان، أي منذ أن أعطت بريطانيا وعداً للصهيونية العالمية في 2 تشرين الثاني نوفمبر 1917 ب"إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين". لقد وقعت هذه الدول في اخطاء عدة باسراعها بفرض الحصار على الفلسطينيين أبرزها: 1- مخالفة المبادئ الديموقراطية التي تُنادي بها، لأن الشعب الفلسطيني عبر عن خياره الديموقراطي في الانتخابات. 2- تجميد المفاوضات والاتصالات مع الجانب الفلسطيني الى اجل غير مسمى. 3- إتاحة الفرصة أمام أطراف إقليمية ودولية لتزيد من تأثيرها وتدخلها في المشكلة الفلسطينية. 4- ايجاد المبررات للاتجاهات المتشددة للمطالبة باستمرار المقاومة بكل الأسلحة ضد الاحتلال الاسرائيلي. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا لا تتبع دول الغرب سياسة أكثر اعتدالاً وتوازناً، وتحد من انحيازها الأعمى لاسرائيل وتبادر الى مطالبتها بتليين موقفها واستعدادها للانسحاب من الاراضي المحتلة، والالتزام بتنفيذ خطة خريطة الطريق من دون شروط؟ اذ عندئذ يصبح من حق الدول الغربية أن تطالب الفلسطينيين بالتخلي عن سلاح المقاومة والاعتراف باسرائيل والجلوس الى مائدة المفاوضات.ان توازن مواقف الدول الغربية بين أطراف النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي يمثل الخطوة الاولى لحل هذا النزاع وإقامة السلام المنشود الذي طال انتظاره. * كاتب فلسطيني.