إن حالة التنافس التي تسود الاقتصاد العالمي الآن أكثر من أي وقت مضى يجب أن تتيح المهارات والمعرفة اللازمة لجيل الشباب لدينا كي يتمكنوا من الصمود في الاقتصاد الحديث. الصناعات والخدمات المختلفة تتخطى حدودها الوطنية بشكل متزايد. وتنظر الشركات الأكثر ديناميكية وتطلعاً للمستقبل في تأسيس مواقع لها في المناطق والدول التي لديها قوى عاملة تتمتع بأفضل تعليم وأفضل تدريب والأكثر براعة ومهارة. إن الوقت الذي قضيته في منصبي وزيراً في وزارة التعليم العالي ولّد لديّ اهتماماً خاصاً بموضوع التعليم. وأعتقد، من منطلق دوري الحالي كوزير مسؤول عن شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية، بأننا اذا عملنا على تطوير هذا النوع من القوى العاملة التي تتمتع بالبراعة والمهارة فإننا سنساعد في معالجة قضايا البطالة والترابط الاجتماعي، وبالتالي سنساعد في معالجة التوتر والتعصّب على الصعيد الدولي. لقد حدد تقرير التنمية البشرية في البلدان العربية الصادر عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي عام 2003 عدداً من المجالات التي تحتل أولويات للتعامل معها، بما في ذلك المعدلات المرتفعة من الأمية بين النساء، وتلقي الأطفال الصغار للتعليم، وتطبيق تكنولوجيا جديدة للمعلومات، وتحسين الجودة، وإصلاح المناهج الدراسية. كما نادى هذا التقرير إلى"تطوير معارف جديدة في جميع المجالات، في العلوم الفيزيائية والاجتماعية والفنون والعلوم الإنسانية وجميع أشكال النشاطات الاجتماعية الأخرى". الكثير من الأشخاص الذين ألتقي بهم في العالم العربي يخبرونني بأنهم قلقون على مستقبل أبنائهم. المشاكل الحالية المتعلقة بالبطالة بين جيل الشباب والاقتصادات التي لا ترقى للأداء الجيد تعني بأنه يتعين على الدول العربية التركيز على المهمة العاجلة لتجنب الانحدار إلى مرتبة أدنى في مصاف الدول المتنافسة في العالم. تشير إحصائيات صادرة عن اليونيسكو وغيرها من المنظمات إلى قصور مثير للقلق في التعليم في العالم العربي قياساً إلى مناطق أخرى. وهذا مثير للقلق بشكل خاص بالنظر إلى المساهمات العلمية والفلسفية والإبداعية والاجتماعية العظيمة التي قدمتها المجتمعات العربية للعالم. يعبّر الشباب في هذه الدول عن إحباطهم تجاه القيود التي تفرضها عليهم الهياكل السياسية والاجتماعية. وبالتالي فإنني أرحب بشكل خاص بالتركيز على التعليم باعتباره قوة دافعة نحو التنمية، ولمساهمته في تخفيف حدة التعصّب. وتدرك دول مثل الأردن وقطر والمغرب ومصر وغيرها من الدول قيمة التعليم الجيد والملائم والواسع الأفق كوسيلة لخفض مستويات البطالة واجتذاب الاستثمارات ومكافحة التطرف. وقد أثار اهتمامي بشكل خاص أن قمة منظمة المؤتمر الإسلامي التي عُقدت في مكة في شهر كانون الأول ديسمبر الماضي شددت على أهمية التعليم والمعرفة في سبيل الحداثة والاعتدال. وإذا ما رغبنا في أن يتوافر للأطفال في العالم العربي المستقبل المشرق الذي يستحقون، يتعين علينا أن نوفر لهم سبل التعليم والتدريب التي تؤهلهم للقيام بمهام أضحت بشكل متزايد محددة المعايير وعرضة للمقارنة على جميع الجبهات. إذا لم نوفر لشبابنا الرؤية المستقبلية نحو المهن الجديدة والوقار المحيط بالوظائف ذات الأجور المرتفعة، فإنهم سيستمرون بوقوعهم ضحايا لتلك المخططات الأكثر ظلاما. المملكة المتحدة ناشطة في تقديم الدعم للمنطقة. فعلى سبيل المثال تقدم وزارة التنمية الدولية لدينا الدعم لتطوير المدارس في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي تديرها وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين أونروا ولمدارس السلطة الفلسطينية. وفي اليمن نساهم بمبلغ 15.5 مليون جنيه إسترليني للمساعدة في تطبيق استراتيجية التعليم الأساسية التي وضعتها الحكومة اليمنية. كما نعمل على تطوير برنامج للدعم مع قطاع التعليم التقني والمهني العراقي من خلال شراكات مع كليات بريطانية. وقد قام زميلي وزير التعليم، بيل راميل، اخيراً بزيارة إلى المملكة العربية السعودية بصحبة وفد من الخبراء في مجال التعليم العالي لاستطلاع كيفية التوفيق بين الخبرة البريطانية والمتطلبات السعودية لأجل التعاون مستقبلاً. وفي مصر ينشط المجلس الثقافي البريطاني في المساعدة بالأبحاث العلمية وتأكيد الجودة والتعليم المهني، وقد افتتح صاحب السمو الملكي أمير ويلز في العام الحالي الجامعة البريطانية في مصر، والتي تمثل حقاص شراكة مصرية - بريطانية. أعتقد أنه بالإضافة إلى هذا التعليم والتدريب الرسمي، من الأهمية بمكان بشكل خاص أن نقدم المساعدة في تطوير الجيل القادم من القادة الذين ستكون لديهم المهارات اللازمة لنقل المنطقة نحو المستقبل. وبالتالي يسعدني أن أعلن بأننا سنزيد عدد المبتعثين من المنطقة الذين سيستفيدون من برنامج"بعثات تشيفنينغ"للدراسة في المملكة المتحدة الذي تديره وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث. وكما قال الكاتب المصري الحائز على جائزة نوبل، نجيب محفوظ،"باستطاعتك أن تعرف إذا كان الرجل نجيباً من إجاباته. وباستطاعتك أن تعرف إذا كان الرجل حكيماً من أسئلته". آمل بأن نتمكن من العمل مع بعضنا بعضاً لكي نجد كلاص من الأسئلة المناسبة والإجابات الصحيحة". * الوزير المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية البريطانية.