ان حقوق الانسان في الاسلام، شأنها شأن التشريعات التي تنظم حياة الناس ومسار حياتهم. لم تأت منحة من احد، او وضعت نتيجة لصراع الانسان مع الآخر، بل هي تشريع إلهي جاء من عند الله تعالى، وتضمنتها مبادئ الشريعة الاسلامية، ووضعت اسسها وقواعدها، وجعلت لها من الضمانات ما يحميها ويقوم عليها، طالب بها صاحبها ام لم يطالب، سعى اليها ام لم يسع، ولعل هذا هو السبب في ان الشريعة الاسلامية لم تفرد لها تقنيناً خاصاً، لأنها في جملتها جزء من العمل العبادي الذي يطالب له المسلم كما يطالب بالصلاة والصيام والزكاة والحج. والتفريط فيها وتضييعها من المحرمات، كحرمة الربا والسرقة والقتل. ولعل كل ملم بشيء من الشريعة الاسلامية يعرف ان للشريعة الاسلامية مقاصد يتأتى من خلالها قيام مصالح الناس في الدين والدنيا، وحماية تلك المصالح من ان يعتدى عليها او تنتهك. وقد روعي في كل حكم من احكام الشريعة، إما حفظ شيء من الضروريات الخمس وهي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال، والتي تعد أسس العمران المرعية في كل ملة. فهي تمثل حقوقاً للانسان بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى. وتتميز تلك الحقوق بانها تستند الى العقيدة والشريعة الاسلامية، ومن ثم لها ضمانة ثابتة لا تتغير بتغير الظروف والاحوال. بينما حقوق الانسان في الاعلان العالمي نتاج جو حضاري معين يقوم على مبادئ الصراع، والمصالح التي غالباً ما تكون متعارضة ومن ثم فهي عرضة للانتهاك والخروج عليها، حتى من قبل اكثر المتحمسين لها، اذا ما تعارضت مع مصالحهم. ان الحقوق في التصور الاسلامي واجبات تكتسب قدسية تمنع التلاعب بها من طرف حزب او هيئة او جماعة او حاكم، اثباتاً والغاء وتعديلاً، طالما ان مصدرها الله تعالى. بينما نجد ان حقوق الانسان قد تتحول الى مجرد أداة يتلاعب بها. وقد تستخدم كسلاح سياسي في يد حماة النظام العالمي الجديد، ضد رافضي هيمنتهم. وهكذا فإن الاسلام يقر للانسان من الحقوق ما يكفل له أمنه وحياته وسعادته. وأنه أقام تلك الحقوق على أسس ثابتة وربطها بقيم ربانية راسخة، وجعلها فرائض وواجبات ألزم بها المجتمع المسلم على كافة مستوياته: الفردية والجماعية، الرعاة والرعية. وعليها فإن دعوى غياب هذه الحقوق من منظومة القيم الاسلامية، تصبح دعوى باطلة لا تقوم على اساس، ولا تستند الى منطق. الدكتور أحمد محمد الجلي جامعة أبو ظبي - بريد الكتروني