يصف عالم الفضاء اللبناني- الأميركي شارل العشي صباح يومه العادي، بانه يبدأ بتلقي تقارير يومية عن أحوال الكواكب السيّارة في النظام الشمسي. لا يشبه ذلك يوماً عادياً للكثير من سكان الكوكب، لكن الرجل ذا القامة الضئيلة والوجه الدقيق الملامح يتحدث عنه كما لو كان أمراً شائعاً. وتصل تلك التقارير الى البريد الالكتروني للعشي باعتباره مدير"مختبر الدفع النفّاث"في"باسادينا"في ولاية كاليفورنيا، وتبثها 18 مركبة ارسلتها"وكالة الفضاء والطيران الاميركية"ناسا، لتجوس انحاء النظام الشمسي. وعلى رغم افتتانه بالشبه بين الجبال التي تحتضن مختبر"باسادينا"وجبال لبنان، يشدد على ان ذلك المُختبر يمثّل تجربة لا يمكن نسخها. ويتحدث الرجل الذي كرّمه الرئيس جورج بوش قبل عامين، لانه قاد مشروع إيصال الروبوتين"سبيريت"و"أوبورتشونيتي"الى المريخ، بشغف عن ذلك المختبر. ويصفه بأنه مساحة مشتركة بين"ناسا"و"جامعة كاليفورنيا للتكنولوجيا"كالتك. والمعلوم ان تلك الجامعة تضم عشرات الفائزين بجائزة نوبل، من ضمنهم المصري - الأميركي أحمد زويل، إضافة الى مجموعة من العلماء العرب. وبذا، لا يصعب فهم لماذا لا يمكن نقل تجربة مختبر"باسادينا"الفضائي الى خارج الولاياتالمتحدة. والحال ان ذلك المختبر يضم 5000 باحث، معظمهم من"كالتك"، كما يستند الى البنية العلمية الهائلة لوكالة"ناسا". ولم يتردد، في لقائه مع"الحياة"، في إبداء دهشته من إهتمام الجمهور اللبناني بالعلاقة بين العلم والدين." قد يُطرح عليك أحدهم هذا النوع من الاسئلة في أي بلد، لكن السؤال تكرر كثيراً من الجمهور اللبناني، وبطريقة لافتة". وكمثال على ذلك، فإن الزميل مارسيل غانم، اثناء استضافته العشي على محطة"ال بي سي أي"، سأله عن الحقائق المُطلقة التي توصل اليها عن اسرار الكون، إضافة الى سؤاله عن رأيه في العلاقة بين العلم والدين. وأجاب العشي ضاحكاً بانه"لو توصلت الى معرفة أسرار الكون لبعتها وجنيت ثروة"، وكذلك أوضح انه يميل الى الرأي القائل بالفصل بين العلم والدين. العشي حضر الى لبنان، في زيارة نسقها"ديوان أهل القلم"وباشراف مباشر من السيدة سلوى خليل الامين، لأكثر من سبب."أحاول ان احض الشباب اللبناني والعربي على الاقتراب من علوم الفضاء، وان ابرهن لهم ان الإصرار يحقق لهم طموحاتهم، مهما علت". ويعترف العشي بأن الكومبيوتر يسيطر على أذهان الشباب المعاصر لبنانياً وعربياً، ما يُصعّب منافسة علوم الفضاء له، على رغم الاثارة الهائلة التي تصاحب الاكتشافات الكونية المهمة. وفي المقابل، يرى ان عالم الانترنت يتيح نقل المعرفة من الدول الصناعية المتقدمة الى العالم الثالث. ويعتقد ان ذلك الأمر يقتضي جهداً مشتركاً من الطرفين، مع وجود مسؤولية كبيرة على الدول المتقدمة لأنها تمتلك المعارف بالأصل ويعتبر أن"من واجب القطاع الحكومي في تلك البلدان ان يجعل معارفه مفتوحة للجميع". ويوافق العشي على ان التشدد في الملكية الفكرية من الشركات الكبرى يعوِّق انتشار المعرفة ونقلها الى الدول النامية. ويميل الى الرأي القائل بامكان حفظ الجهود الأصيلة لتلك الشركات عبر التوصّل الى نوع من"التسوية"التي تضمن لها حقوقها من جهة، وتكفل استمرار نقل التكنولوجيا الى العالم الثالث. وأفضت زيارة العشي الى انضمامه الى مجلس أمناء الجامعة الأميركية - اللبنانية، ما يجعل زياراته المقبلة لبلده الاصلي أمراً شبه ثابت. ولا يتردد العشي في إبداء اعتقاده بأن الحياة منتشرة في الكون."توجد الكثير من الكواكب التي يمكن ان تحتوي على اشكال من الحياة الذكيّة... عندما كنت صغيراً، وكذلك راهناً، اتطلع الى النجوم الهائلة العدد في الفضاء، ويحلو لي ان اتصور ان هناك كائنات، في الفضاء السحيق، تتطلع الى السماء وتفكر أيضاً في أن هناك حياة أخرى في الفضاء". ويصف ما حققه علمياً بأنه"إثارة"، أكثر من كونه إنجازاً. "لقد مثّل حدث هبوط روبوتين"سبيريت"و"اوبورتشونيتي"، وكلاهما على هيئة سيارة مزودة بيدين لتفحص سطح الكوكب الأحمر وحجارته، إثارة قصوى لطاقم العمل الكبير في مختبر"باسادينا"... لقد عملت أدمغة كثيرة من أجل تحقيقه". والمعلوم ان العشي ولد في رياق 1947، حيث تلقى دراسته الابتدائية. وانتقل الى المدرسة الشرقية في زحلة حيث تابع دراسته الثانوية. درس الهندسة الكهربائية في فرنسا. وانتقل الى الولاياتالمتحدة، ليحرز درجة الدكتوراة من جامعة كاليفورنيا. وسرعان ما جذبته علوم الفضاء، وخصوصاً امكان استكشاف التركيب الجيولوجي بواسطة آلات استشعار تعمل من بُعد. وفي خطوة غير مألوفة، عاد مُجدداً الى مقاعد الدراسة الجامعية، ليدرس الجيولوجيا. وهكذا، توصل الى دخول عالم استكشاف الكواكب وتركيبها الجيولوجي. وتزوج من أميركية مهتمة بفن الرسوم المتحركة وأفلامها، وانجبا ابنتين، احداهما على وشك الزواج. ويعتز العشي بأواصر الصداقة التي تربطه بالعالم المصري- الأميركي فاروق الباز، صاحب الباع الطويل في جيولوجيا الفضاء، إضافة الى الكثير من العلماء العرب في وكالة"ناسا"وخارجها. ويحلم بأن يصل البشر الى المريخ في زمن قريب، لكنه يعترف بالصعوبات الجمّة التي تعوّق تحقيق هذا الأمر. ويوضح ان نقل الأشكال الحيّة الى الكواكب الأخرى أمر محظور راهناً، لأنه يجب دراسة تلك الأجرام السماوية كما هي. ولا يخامره شك في صحة نظرية"الانفجار الكبير"، وكذلك بأن الثقوب السود منتشرة في الكون الهائل. ويقرّ بأن خطة بوش للفضاء أعاقت بعض المشاريع الطموحة في معرفة الكون، مثل برنامج"أوريجينز"أي الجذور، الذي لقي دعماً كبيراً من الرئيس السابق بيل كلينتون. لكنه يعتقد أيضاً ان الأمر لا يعدو كونه"تأخيراً موقتاً"، بالنظر الى الأهمية العلمية لتلك المشاريع الطموحة معرفياً.